طلحة بن عبيد الله-صقرغزوة أحد

طلحة بن عبيد الله-صقرغزوة أحد

طلحة بن عبيدالله : قال قال رسول الله وهو يشير الى طلحة:" من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض٬ وقد قضى نحبه٬ فلينظر الى طلحة".
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر٬ وما بد لوا تبديلا).


طلحة بن عبيد الله-من سر ه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض٬ فلينظر الى طلحة


من هو طلحة بن عبيد الله؟



تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة٬ ثم استقبل وجوه أصحابه٬ وقال وهو يشير الى طلحة:" من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض٬ وقد قضى نحبه٬ فلينظر الى طلحة"..!!ولم تكن ثمة بشرى يتمناها أصحاب رسول الله٬ وتطير قلوبهم شوقا اليها أكثر من هذه التي قلدها النبي طلحة بن عبيد الله..

لقد اطمأن اذن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا٬ ويموت٬ وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة٬ ولن يدركه لغوب..ولقد بشره الرسول بالجنة٬ فماذا كانت حياة هذا المبشر الكريم..؟؟


لقد كان طلحة بن عبيدالله  في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها٬ وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم٬ والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهل عصره وأشرقت أيامه..وحر طلحة أن يفوته موكبه٬ فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..

وحين عاد طلحة بن عبيدالله  الى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر٬ الفى بين أهلها ضجيجا..وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم٬ أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه..وعن الرسالة التي يحملها الى العرب خاصة٬ والى الناس كافة..وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد٬ وأنه يقف الى جوار محمد مؤمنا منافحا٬ أوابا..

طلحة بن عبيد الله من السابقين الأولين

وحدث طلحة بن عبيدالله  نفسه: محمد٬ وأبو بكر..؟؟ تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره٬ وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله٬ ويقول: أنه أرسلني وأرسل الي وحيا..؟؟وهذا هو الذي يصعب تصديقه..وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..ولم يطل الحديث بينهما٬ فقد كان شوقه الى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..فصحبه أبو بكر الى الرسول عليه الصلاة والسلام٬ حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.


وعلى الرغم من جاهه في قومه٬ وثرائه العريض٬ وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش٬ اذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد٬ وكان يدعى أسد قريش٬ بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه٬ اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها٬ وخافت عاقبة أمرها..

وهاجر طلحة الى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة٬ ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ عدا غزوة بدر٬ فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..

ولما أنجزاها ورجعا قافلين الى المدينة٬ كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر٬ فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..

بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة٬ حين انبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما٬ بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..

طلحة بن عبيد الله أسد يوم أحد 

وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمن مصيرها بانزال هزيمة نهائية بالمسلمين٬ هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا٬ وقدرا مقدورا..!!

ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم٬ ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة٬ فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه٬ 

وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية٬ فسارع نحو الرسول..وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!


طلحة بن عبيدالله الأسد المغوار

ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم ويتحامل على نفسه٬ فجن جنونه٬ وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه٬ وتحيط به تريد أن تناله بسوء..

ووقف طلحة كالجيش اللجب٬يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..ورأى دم الرسول الكريم ينزف٬ وآلامه تئن فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره٬ متأخرا به الى مكان آمن٬ بينما بيمينه٬ بارك الله يمينه٬ تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول٬ وملؤا دائرة القتال مثل الجراد

ولندع الصد يق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..تقول عائشة رضي الله عنها:" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم٬ فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجراح: دونكم اخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .

وفي جميع المشاهد والغزوات٬ كان طلحة في مقدمة الصفوف يبتغي وجه الله٬ ويفتدي راية رسوله.ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة٬ يعبد الله مع العابدين٬ ويجاهد في سبيله مع المجاهدين٬ ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..فاذا قضى حق ربه٬ راح يضرب في الأرض٬ ويبتغي من فضل الله منميا تجارته الرابحة٬ وأعماله الناجحة.

فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء٬ وأنماهم ثروة..وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته..كان ينفق منها بغير حساب..وكان اله ينم يها له بغير حساب!لقد لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـطلحة الخير٬ وطلحة الجود٬ وطلحة الفياض اطراء لجوده المفيض.

وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة٬ فاذا الله الكريم يردها اليه مضاعفة.تحد ثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما٬ فسألته ما شانك..؟ فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمني وأكربني..وقلت له ما عليك.. اقسمه..فقام ودعا الناس٬ واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"..

ومر ة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع٬ ونظر الى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:" ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرق من أمر٬ لمغرور بالله"..ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه٬ ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها٬ حتى أسحر وما عنده منها درهم.

ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:" ما رأيت أحد اعطى لجزيل مال من غير مسألة٬ من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس بر ا بأهله وبأقربائه٬ فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..وقد قيل عنه في ذلك:".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مؤنته٬ ومؤنة عياله..وكان يزوج أيامهم٬ ويخدم عائلهم٬ ويقضي دين غارمهم"..

ويقول السائب بن زيد:" صجبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا٬ أعم سخاء على الدرهم٬ والثوب والطعام من طلحة".

طلحة بن عبيد الله في موقعة الجمل

وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه.ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان٬ ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير واصلاح..أكان بموقفه هذا٬ يدعو الى قتل عثمان٬ أو يرضى به..؟؟ 

كلا.ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا٬ ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى الى هذا المأزق والمنتهى لقاومها٬ ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير٬ لا أكثر..

على أن موقف طلحة هذا٬ تحو ل الى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل٬ فلم يكد الامام علي يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير٬ حتى استأذن الاثنان في الخروج الى مكة للعمرة..ومن مكة توجها الى البصرة٬ حيث كانت قوات كثيرة تتجمع للأخذ بثأر عثمان..وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان٬ والفريق الذي يناصر عليا..وكان علي كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الاسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة٬ تنتفض همومه٬ وتهطل دموعه٬ ويعلو نشيجه..!!

لقد اضطر الى المأزق الوعر..فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع٬ وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرد على الدولة٬ أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..وحين ينهض لقمع تمرد من هذ النوع٬ فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه٬ وأتباع رسوله ودينه٬ أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك٬ وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم٬ وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين..فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟

وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق٬ وصون دماء المسلمين لم يترك الامام علي وسيلة الا توس ل بها٬ ولا رجاء الا تعلق به.ولكن العناصر التي كانت تعمل ضد الاسلام٬ وما أكثرها٬ والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة٬ أيام عاهلها العظيم عمر٬ هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة٬ وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها.

طلحة بن عبيدالله  والزبير بن العوام  يعودان إلي الحق

بكى علي بكاء غزيرا٬ عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير٬ حورايي رسول الله..

فنادى طلحة والزبير ليخرجا اليه٬ فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..

فقال لطلحة:" يا طلحة٬ أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟ 
ثم قال للزبير:" يا زبير٬ نشدتك الله٬ أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا٬ فقال لك: يا زبير٬ ألا تحب عليا..؟فقلت: ألا أحب ابن خالي٬ وابن عمي٬ ومن هو على ديني..؟؟ 

فقال لك: يا زبير٬ أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!

قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن٬ وكنت قد نسيته٬ والله لا أقاتلك..وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..

أقلعا فور تبينهما الأمر٬ وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف علي ٬ تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم ار:" تقتلك الفئة الباغية"..فان قتل عمار اذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة٬ فسيكون طلحة باغيا.

عمرو بن جرموز يقتل الزبير بن العوام

انسحب طلحة والزبير من القتال٬ ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما٬ ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما من عليهما من بصيرة وهدى.أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..


مروان بن الحكم يقتل طلحة بن عبيدالله

وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..كان مقتل عثمان قد تشكل في نفسية طلحة٬ حتى صار عقدة حياته..كل هذا٬ مع أنه لم يشترك بالقتل٬ ولم يحر ض عليه٬ وانما ناصر المعارضة ضد ه٬ يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان٬ كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفارة تريحه من وطأة ضميره.

وكان قبل بدء المعركة يدعو ويضرع بصوت تخنقه الدموع٬ ويقول:" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..فلما واجهه علي هو والزبير٬ أضاءت كلمات علي جوانب نفسيهما٬ فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..

بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أي ان يكون..ألم يقل الرسول عنه:" هذا ممن قضى نحبه٬ ومن سر ه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض٬ فلينظر الى طلحة"..؟؟ لقي الشهيد اذن مصيره المقدور والكبير٬ وانتهت وقعة الجمل.وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة الى البيت الحرام فالمدينة٬ نافضة يديها من هذا الصراع٬ وزو دها الامام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..وحين كان علي يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا٬ الذين كانوا معه٬ والذين كانوا ضد ه..


علي بن أبي طالب يدفن طلحة والزبير ويبكيهما ويتمني لو كان معهما

ولما فرغ من دفن طلحة٬ والزبير٬ وقف يودعهما بكلمات جليلة٬ اختتمها قائلا:" اني لأرجو أن أكون أنا٬ وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين)"..ثم ضم قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" طلحة والزبير٬ جاراي في الجنة"




المصادر
 
رجال حول الرسول

خالد محمد خالد

تعليقات