زيد بن الخطاب-بطلا باهر البطولة
زيد بن الخطاب: لا بد أنكم عرفتموه..انه أخو عمر بن الخطاب..أجل أخوه الأكبر٬ والأسبق.
جاء الحياة قبل عمر٬ فكان أكبر منه سنا..وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله.
.وكان زيد بن الخطاب بطلا باهر البطولة جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما٬ وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري٬ أطرق الرسول لحظات٬ ثم وجه الحديث لمن حوله قائلا:" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..
وظل الخوف بل الرعب من الفتنة في الدين٬ يراود ويلح على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير٬ وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيا سوى أبي هريرة والرجال بن عنفوة.
ولقد ظل أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن٬ وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتد الر جال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب٬ وشهد له بالنبوة.هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرجال بن عنفوة هذا٬ ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما٬ ولما تلقى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة الرسول واختيار الصد يق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة٬ واقترح على الصديق أن يكون مبعوثه اليهم يثبتهم على الاسلام٬ فأذن له الخليفة..
مسيلمة الكذاب وفتنة المرتدين
وتوجه الرجال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظن أنهم الغالبون٬ فحدثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذاب التي ظن ها مقبلة وآتية٬ فترك الاسلام٬ وانضم لصفوف مسيلمة الذي سخاعليه بالوعود.وكان خطر الرجال على الاسلام أشد من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك٬ لأنه استغل اسلامه السابق٬ والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول٬ وحفظه لآيات كثيرة من القرآن٬ وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغل ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبو ته الكاذبة.لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات٬ فأحق الناس بحمل راية النبو ة والوحي بعده٬ هو مسيلمة.
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الر جال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.وكانت أنباء الر جال تبلغ المدينة٬ فيتحرق المسلمون غيظا من هذا المرتد الخطر الذي يضل الناس ضلالا بعيدا٬ والذي يوسع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيظا٬ وتحرقا للقاء الر جال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطاب.زيد بن الخطاب..!!؟ لا بد أنكم عرفتموه..انه أخو عمر بن الخطاب..أجل أخوه الأكبر٬ والأسبق..جاء الحياة قبل عمر٬ فكان أكبر منه سنا..وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا٬ ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.
وفي كل مشهد لم يكن زيد بن الخطاب يبحث عن النصر٬ بقدر ما يبحث عن الشهادة..!يوم أحد٬ حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب.وأبصره أخوه عمر بن الخطاب٬ وقد سقط درعه عنه٬ وأصبح أدنى منالا للأعداء٬ فصاح به عمر." خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..فأجابه زيد:" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر".وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة٬ واستبسال عظيم.
قلنا ان زيد بن الخطاب رضي الله عنه٬ كان يتحرق شوقا للقاء الر جال متمنيا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالر جال في رأي زيد٬ لم يكن مرتد ا فحسب.. بل كان كذابا منافقا٬ وصوليا.
لم يرتد عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة٬ ونفاق يغيض هزيل.وزيد في بغضه النفاق والكذب٬ كأخيه عمر تماما..!كلاهما لا يثير اشمئزازه٬ ولا يستجيش بغضاءه٬ مثل النفاق الذي تزجيه النفعية الهابطة٬ والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطة٬ لعب الر جال دوره الآثم٬ فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا٬ وهو بهذا يقد م بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الرد ة..
أضل هؤلا٬ وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زينتها له نفسه٬ وزخرفها له هواه٬ ولقد أعد زيد بن الخطاب نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة٬ لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر من خطرا٬ وأشد جرما الر جال بن عنفوة.
زيد بن الخطاب يقتل الرجال بن عنفوة
وبدأ يوم اليمامة مكفهرا شاحبا.وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام٬ ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟ الى زيد بن الخطاب.وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين٬ وسقط منهم شهداء كثيرون
.ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين٬ فعلا ربوة هناك٬ وصاح في اخوانه:" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم٬ واضربوا في عدو كم٬ وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله٬ أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"
ونزل من فوق الربوة٬ عاضا على أضراسه٬ زاما شفتيه لا يحر ك لسانه بهمس.وترك مصير المعركة لديه في مصير الر جال٬ فراح يخترق الخضم المقتتل كالسهم٬ باحثا عن الر جال حتى أبصره.
وهناك راح يأتيه من يمين٬ ومن شمال٬ وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه٬ غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج الى السطح من جديد٬ فيقترب منه زيد بن الخطاب ويبسط اليه سيفه٬ ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الر جال مر ة أخرى٬ فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه٬ ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا٬ وكذبا٬ وخسة..وبسقوط الأكذوبة٬ أخذ عالمها كله يتساقط٬ فدب الرعب في نفس مسيلمة و في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الر جال فيه كالنار في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم٬ وبأنه هو والر جال بن عنفوة٬ والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم.
وها هو ذا الر جال قد سقط صريعا.. اذن فنبوة مسيلمة كلها كاذبة..وغدا سيقط المحكم٬ وبعد غد مسيلمة..!!هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون٬ فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال٬ ونهض جريحهم من جديد٬ حاملا سيفه٬ وغير عابئ بجراحه..حتى الذين كانوا على شفا الموت٬ لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب٬ مس النبأ أسماعهم كالحلم الجميل٬ فودوا لو أن بهم قو ة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو٬ وليشهدوا النصر في روعة ختامه..ولكن أنى لهم هذا٬ وقد تفتحت أبواب الجنة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول.
رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربه٬ شاكرا نعمته..ثم عاد الى سيفه والى صمته٬ فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..
هنالك وقد رأى زيد بن الخطاب رياح النصر مقبلة٬ لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام٬ فتمنى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..وهبت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا٬ ومآقيه دموعا٬وعزمه اصرارا..
وراح زيد بن الخطاب يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..وسقط البطل شهيدا..بل قولوا: صعد شهيدا..صعد عظيما٬ ممجدا٬ سعيدا..وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..وبينما كان عمر٬ يستقبل مع الخليفة أبي بكر أولئك العائدين الظافرين٬ راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..
وكان زيد بن الخطاب طويلا بائن الطول٬ ومن ثم كان تعر ف العين عليه أمرا ميسورا..ولكن قبل أن يجهد بصره٬ اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزاه في زيد..وقال عمر:" رحم الله زيدا..سبقني الى الحسنيين..أسلم قبلي..واستشهد قبلي".
ان الصبا لتحمل ريح زيد بن الخطاب
وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم٬ فان زيد بن الخطاب لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..ودائما كان يقول:" ما هبت الصبا٬ الا وجدت منها ريح زيد".أجل..ان الصبا لتحمل ريح زيد٬ وعبير شمائله المتفوقة..ولكن٬ اذا اذن أمير المؤمنين٬ أضفت لعبارته الجليلة هذه٬ كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.
تلك هي وما هبت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد بن الخطاب
المصادر
رجال حول الرسول
خالد محمد خالد