فَاطِمَةُ الزَّهراء-رَيْحَانَةُ رَسُولِ الله-أم الحسنين

فَاطِمَةُ الزَّهراء-رَيْحَانَةُ رَسُولِ الله-أم الحسنين







فَاطِمَةُ الزَّهراء رَيْحَانَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -



















قصَّة حياة فاطمة الزَّهراء


قصَّة حياة فاطمة الزَّهراء فصلٌ مشرقٌ من سيرة الرَّسول  العظيم - صلى الله عليه وسلم -وصورةٌ رائعةٌ من صور حياة بيت النُّبوَّة الكريم ومثلٌ رائعٌ لما كان عليه الصحابة الكرام.



ولدت فاطمة الزَّهراء رضوان الله عليها سنة بناء الكعبة قبل البعثة المحمَّديَّة بخمس سنين.أمَّا أمُّها فسيِّدةٌ رزانٌ جمعت العقل الحصيف إلى النَّسب الشَّريف وضمَّت إلى ذلك الخلائق الفاضلة،والثَّروة الطَّائلة؛ فكانت تدعى في الجاهليَّة بالطَّاهرة، وتُنعت بسيِّدة نساء قريشٍ آمنت بالرَّسول - صلى الله عليه وسلم - إذ كفر به النَّاس، وصدَّقته إذ كذَّبه النَّاس، وواسته بمالها إذ حرمه النَّاس.وقد حبا الله هذه السَّيِّدة الوقور صباحة الوجه مع ما حباها به من الخلق الجميل، والحسب الأثيل  والمال الجزيل .

هذه هي أمُّ فاطمة الزَّهراء أمَّا أبوها فسيِّد المرسلين، وخاتم النَّبيِّين، وإمام المتَّقين فأعظم بهذا النَّسب الكريم نسبًا .وهذا الأب العظيم أباً.




كانت فاطمة الزَّهراء آخر أولاد أبويها، وآخرالأولاد يتقلَّب في أعطاف الحنان والحَدب .
ويدرج في أكناف الحفاوة والحبِّ.

لذا كانت فاطمة ريحانة رسول الله صلوات الله عليه . يرضى إذا رضيت ويسخط إذا سخطت.

ولكنَّ حنان الأبوين لم يحل دون تعهُّد المحبوبة الأثيرة بالتَّربية وإعدادها لتحمُّل المسئوليَّات .
فقد روي أنَّها كانت تقوم وحدها بصنيع بيتها لا يعينها في أكثر أيَّامها أحدٌ، وأنها كانت تضمِّد جراح أبيها صلوات الله عليه في غزوة «أحد».ولمَّا بلغت الزَّهراء مبلغ النِّساء طمحت إليها الأنظار؛ فكان في جملة من خطبها أبو بكر وعمر .فردَّهما الرَّسول صلوات الله عليه ردًّا كريمًا، وكأنَّما كان يريد أن يخصَّ بها عليًا رضوان الله عليه.

****

وفي السَّنة الثَّامنة للهجرة خطب عليُّ بن أبي طالبٍ فاطمة الزَّهراء فما أسرع أن استجاب الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - إلى طلبه، فخرَّ عليُّ ساجداً شكرًا لله، فلمَّا رفع رأسه من سجوده قال له الرَّسول عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام:(بارك الله لكما وعليكما، وأسعد جدَّكما  وأخرج منكما الكثير الطيب).

وقد شهد عقد فاطمة الزَّهراء على عليِّ بن أبي طالب أبو بكر، وعمر، وعثمَّان، وطلحة ، والزُّبير من المهاجرين، وعددٌ يماثل عددهم من الأنصار.ولما أخذ القوم مجالسهم 

قال عليه الصَّلاة والسَّلام:

(الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، إنَّ الله عز وجل جعل المصاهرة نسبًا لاحقًا، وأمرًا مفترضًا وحكمًا عادلًا، وخيرًا جامعًا، أوشج  بها الأرحام وألزمها الأنام 

فقال عز وجل:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}
 
أشهدكم أنِّي زوجت فاطمة من عليٍّ على أربع مائة مثقال فضَّةٍ إن رضي بذلك على السُّنَّة القائمة، والفريضة الواجبة فجمع الله شملهما، وبارك لهما، وأطاب نسلهما .أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم).وزُفَّت سيِّدة نساء المسلمين إلى بيت زوجها.وما كان لها من جهازٍ غير سريرٍ مشروطٍ، ووسادةٍ من أدمٍ حشوها ليفٌ، ونورةٍ  من أدمٍ، وسقاءٍ، ومنخلٍ،
ومنشفةٍ، وقدحٍ، ورحوان وجرَّتان.


لم يطق الرَّسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - صبرًا على بعد الزَّهراء عنه؛ فعزم على أن يحوِّلها إلى جواره وكانت تجاوره منازل لحارثة بن النُّعمان فجاء إلى النَّبيِّ صلوات الله عليه وقال:إنَّه بلغني أنَّك تريد أن تحوِّل فاطمة إليك، وهذه منازلي وهي أقرب بيوت «بني النَّجَّار» إليك، وإنما أنا ومالي لله ورسوله، والله يا رسول الله:للمالُ الذي تأخذ مني أحب إلي من الذي تدع.فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(صدقت، بارك الله عليك).
ثمَّ حوَّل فاطمة إلى جواره وأسكنها منزلًا من بيوت حارثة رضوان الله عليه.



ومنذ استقرت الزَّهراء في جوار أبيها كان يلمُّ ببيتها كل صباح، فإذا أُذِّن للصُّبح كان يأخذ بعضادتي باب بيتها 

ويقول:(السَّلام عليكم أهل البيت ويطهِّركم تطهيرًا).

وكان النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلَّى فيه ركعتين ثمَّ يثنِّي ببيت فاطمة ويطيل عندها المكث، ثمَّ يأتي بيوت نسائه.



وقد رُوي عن محمَّد بن قيس أنَّ الرَّسول صلوات الله عليه خرج ذات مرة في سفرٍ ومعه عليُّ بن أبي طالب فصنعت له فاطمة رضوان الله عليها في غيبتهما سوارين وقلادةً وقرطين، ووضعت على باب البيت ستارةً، وذلك لقدوم أبيها وزوجها.

فلمَّا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها ووقف أصحابه على الباب لا يدرون أيبقون أم ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وقد عرف في وجهه الغضب حتَّى جلس على المنبرعند ذلك أدركت فاطمة رضوان الله عليها أنَّه فعل ذلك لما رأى من السِّوارين والقلادة والقرطين والسِّتر ..فنزعت قرُطيها وقلادتها وسواريها وأنزلت السِّتر وبعثت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالت لمن حمَّلته إياها:قُل للرَّسول تقرأ عليك ابنتك السَّلام وتقول لك اجعل هذا في سبيل الله، فلمَّا أتاه قال:(قد فعلت - فداها أبوها - ليست الدُّنيا من محمَّدٍ ولا من آل محمَّدٍ، ولو كانت الدُّنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ).



ثمَّ إنَّ بيت فاطمة الزَّهراء ما لبث أن سعد بالذُّرِّية الصَّالحة . . فقد رُزق الأبوان الكريمان كلاً من الحسن، والحسين، ومُحسن .وزينب، وأم كلثومٍ.كانت فرحة الرَّسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بهم كبيرةً، فقدرُوي أنه لمَّا ولد الحسن سمَّاه والداه «حربًا» فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:(أروني ابني، ما سمَّيتموه؟).قالوا: حربًا .قال: (بل هو حَسنٌ).



وكان الرَّسول صلوات الله عليه يدلِّل أولاد فاطمة ويستأنسهم ويداعبهم ويرقِّصهم، وربما ركب الواحد منهم على كتفه وهويصلِّي فيتأنَّى في صلاته ويطيل سجوده لكي لا يزحزحه عن مركبه.وقد كان من عادته صلوات الله عليه أن يبيت في بيت فاطمة حيناً بعد حينٍ، ويتولى خدمة أطفالها بنفسه وأبواهم قاعدان.ففي إحدى اللَّيالي سمع الحسن يستسقي ؛ فقام
صلوات الله عليه إلى قربةٍ فجعل يعصرها في القدح فمدَّ الحُسين يده ليتناول الماء، فنحَّاه عنه وبدأ بالحسن، فقالت فاطمة:كأنَّه أحبُّ إليك؟.فقال عليه السَّلام: (إنَّما استسقى أولًا).



وكانت فاطمة رضوان الله عليها إذا دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدها ورحَّب بها وأجلسها في مجلسه ..وكان إذا دخل عليها قامت له ورحَّبت به وأخذت بيده فقبَّلتها.فدخلت عليه في مرضه الذي توفِّي فيه فأسرَّ إليها فبكت. ثمَّ أسرَّ إليها فضحكت، وكانت عائشة ترى ذلك فقالت في نفسها:كنت أحسب لهذه المرأة فضلًا على النِّساء فإذاهي واحدةٌ منهنَّ بينما هي تبكي إذا هي تضحك.فلمَّا توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألتها عن ذلك فقالت:أسرَّ إليَّ فأخبرني أنَّه ميِّتٌ فبكيتُ .ثمَّ أسرَّ إليَّ أنِّي أوَّل أهل بيته لحوقًا به فضحكتُ.



ولم تمكث فاطمة بعد وفاة أبيها عليه الصَّلاة والسَّلام طويلًا فلحقت به بعد أشهرٍ قليلةٍ، قيل إنها ستٌ أو ثلاثةٌ أو اثنان على اختلافٍ في الرِّوايات.ففي رمضان سنة إحدى عشرة للهجرة لبَّت فاطمة الزَّهراء نداء ربِّها، وفرحت باللُّحوق بأبيها.ولمَّا حضرتها الوفاة تولَّت أمر غسل نفسها بيدها وقالت لصاحبتها أسماء بنت عميسٍ - بعد أن اغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل-:يا أمَّه إيتيني بثيابي الجدد، فلبستها .ثمَّ قالت قد اغتسلتُ فلا يكشفنَّ لي أحدٌ كفنًا.

ثمَّ تبسمت، ولم تُر مبتسمةً بعد وفاة أبيها إلَاّ ساعة فارقت الحياة.رحم الله ريحانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمةً واسعةً فقد زُفَّت إلى عليٍّ في رمضان .
وزُفَّت إلى الجنَّة في رمضان



المصادر


كتاب : صور من حياة الصحابيات

المؤلف: عبد الرحمن رأفت الباشا

الناشر: دار الأدب الإسلامي

تعليقات