التّشبيه-تعريفات التشبيه-أركان التشبيه-أنواع التشبيه
تعريف التشبيه:
التشبيه لغة: هو التّمثيل، شبّهت هذا بذاك، مثّلته به. والتشبيه اصطلاحا: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بإحدى أدوات التشبيه المذكورة أو المقدّرة المفهومة من سياق الكلام.
والتعريف الجامع هو: صورة تقوم على تمثيل شيء (حسّي أو مجرّد) بشيء آخر (حسّي أو مجرّد) لاشتراكهما في صفة (حسّية أو مجرّدة) أو أكثر.
وقد عرّفه القزويني بقوله :التشبيه: الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى.
وهذا يعني أنّ المتشابهين ليسا متطابقين في كل شيء.
التشبيه في نظر البلاغيين:
ذهب قدامة بن جعفر (ت 337 هـ) إلى أن التشبيه «إنّما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمّهما، ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها» وهذا التعريف موافق لما جاء به بعد حين من الدّهر الخطيب القزويني الذي تقدّم ذكره ولو كان المتأخّر أقلّ وضوحا من المتقدّم.
ويزيد فهم الرّماني للتشبيه التعريف وضوحا. فالرمّاني (ت 386 هـ)، ذهب إلى أنّ التشبيه «العقد على أنّ أحد الشيئين يسدّ مسدّ الآخر في حسّ أو عقل».كالعسل في حلاوته، فالحلاوة قائمة حقيقة في العسل، ولكنها غير حقيقية في الكلام.
وهذا التشبيه يسمّيه عبد القاهر تشبيه التمثيل. وربّما أطلق عليه اسم الشّبه العقلي لأن التأويل من عمل العقل. هذا التشبيه التمثيلي الذي نادى به عبد القاهر مختلف عن تشبيه التمثيل الذي تعارف عليه البلاغيون كما سنرى لاحقا.
أركان التشبيه:
تواضع البلاغيون على أنّ للتشبيه أربعة أركان هي:
1 - المشبّه:
وهو الركن الرئيس في التشبيه، تخدمه الأركان الأخرى، ويغلب ظهوره، لكنّه قد يضمر للعلم به على أن يكون مقدّرا في الإعراب، وهذا التقدير بمنزلة وجوده. مثاله قول عمران بن حطّان مخاطبا الحجّاج ( من البحرالكامل):
أسد عليّ وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
فلفظ أسد خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنت، وعليه يكون المشبّه ضميرا مقدّرا في الإعراب، وهو ماثل في المعنى وإن لم يظهر بلفظه. والفتخاء: الناعمة.
2 - المشبّه به:
تتوضّح به صورة المشبّه، ولا بدّ من ظهوره في التشبيه. يشترك مع المشبّه في صفة أو أكثر إلّا أنّها تكون بارزة فيه أكثر من بروزها في المشبّه.
يسمّى المشبّه والمشبّه به طرفي التشبيه
3 - وجه الشبّه:
هو الصفة المشتركة بين المشبّه والمشبّه به، وتكون في المشبّه به أقوى وأظهر مما هي عليه في المشبّه. قد يذكر وجه الشّبه، وقد يحذف كما سيأتي، وإذا ذكر جاء غالبا على إحدى صورتين هما:
أ- مجرورا ب (في)، كما في قول ابن الرومي:
يا شبيه البدر في الحسن
وفي بعد المنال
ب- تمييزا، ومثاله قول أحدهم:
يا شبيه البدر حسنا
وضياء ومنالا
وإذا جاء على خلاف هاتين الصورتين، فلا بدّ من تأويله بإحداهما. مثال ذلك قول أحدهم:
العمر مثل الضّيف أو
كالطّيف ليس له إقامة
وتأويل وجه الشبه: العمر مثل الضّيف أو كالطيف في قصر إقامته.
4 - أداة التشبيه:
هي كل لفظ دلّ على المشابهة، وقد تكون:
أ-أداة التشبيه حرفا
، كالكاف، كما في قوله تعالى وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس: 39.
أو كما قال أبو القاسم الشابّي:
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام
كاللحن كالصّباح الجديد
كالسّماء الضحوك كاللية القمراء
كالورد كابتسام الوليد
وقد كرّر الأداة (الكاف) ثماني مرّات في البيتين. كما تكون كأن أداة التشبيه كما في قول الطيّب صالح في رواية عرس الزين
«والزين واقف في مكانه، في قلب الدائرة، بقامته الطويلة وجسمه النحيل فكأنه صاري المركب».
ب-أداة التشبيه اسما:
والأسماء المتداولة في هذا الباب هي: مثل، شبه، مثل، مماثل، قرن، مضارع، محاك، وما كان بمعناها أو مشتقّا منها. مثال ذلك قول المجنون في ظبية:
أيا شبه ليلى لا تراعي فإنّني
لك اليوم من وحشيّة لصديق
وقول آخر:
كم وجوه مثل النهار ضياء
لنفوس كالليل في الإظلام
ج-أداة التشبيه فعلا:
والأفعال المحتملة في هذا الباب هي: شابه، حاكى، ضارع، ماثل، ومضارع هذه الأفعال وما شابهها. وأمثلته قول أحدهم:
تفّاحة جمعت لونين قد حكيا
خدّي حبيب ومحبوب قد اتّفقا
وكقول آخر:
وكأنّ البنفسج الغضّ يحكي
أثر اللّطم في خدود الغيد
تحدّث الجرجاني عن دور الأداة ودلالتها بقوله : «تقول: زيد كالأسد أو مثل الأسد، أو شبيه بالأسد، فتجد ذلك كلّه تشبيها غفلا ساذجا ثم تقول: كأنّ زيدا الأسد، فيكون تشبيها أيضا، إلا أنّك ترى بينه وبين الأوّل بونا بعيدا؛ لأنّك ترى له صورة خاصة، وتجدك قد فخّمت المعنى، وزدت فيه بأن أفدت أنّه من الشجاعة وشدّة البطش، وأنّ قلبه قلب لا يخامره الذّعر، ولا يدخله الرّوع بحيث يتوهّم أنه الأسد بعينه، ثم تقول: لئن لقيته ليلقينّك منه الأسد، فتجده قد أفاد هذه المبالغة لكن في صورة أحسن وصفة أخص، وذلك أنّك تجعله في (كأنّ) يتوهّم أنه الأسد، وتجعله هاهنا يرى منه الأسد على القطع، فيخرج الأمر عن حدّ التوّهّم إلى حدّ اليقين» لهذا عدّ التشبيه البليغ الذي حذف منه وجه الشّبه وأداة التشبيه أقوى انواع التشبيه لأنّه يرفع المشبّه إلى مرتبة المشبّه به إلى حدّ المماثلة التامّة.
أمثلة موضّحة:
قال الشاعر:
كم وجوه مثل النهار ضياء
لنفوس كالليل في الإظلام
في البيت تشبيهان:
1 - يشبّه وجوه بعض الناس بالنهار في ضيائها وجمالها (في الأوّل).
2 - يشبّه في الثاني نفوس هؤلاء بالليل في تجهّمها وإظلامها.
في الأول: المشبه: وجوه. المشبّه به: النهار. أداة التشبيه:
مثل (اسم). وجه الشّبه: ضياء.
في الثاني: المشبه: نفوس، المشبّه به: الليل، وجه الشبه:
الإظلام، أداة التشبيه: الكاف (حرف).
وقال آخر:
أنت مثل الغصن لينا
وشبيه البدر حسنا
في البيت تشبيهان:
في الأول:
المشبّه: أنت،
المشبّه به: الغصن،
أداة التشبيه:مثل،
وجه الشبه: لينا.
في الثاني:
المشبّه: أنت،
المشبّه به: البدر،
أداة التشبيه:شبيه،
وجه الشّبه: حسنا.
تقسيم طرفي التشبيه إلى حسّي وعقلي:
ينقسم طرفا التشبيه (المشبّه والمشبّه به) إلى حسيّين أو عقليين، أو مختلفين.
1 - الطرفان الحسّيان:
وهما اللذان يدركان بإحدى الحواس. ويكونان:
أ- من المبصرات:
إذا كانا يدركان بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات وما إلى ذلك، كقول الشاعر:
أنت نجم في رفعة وضياء
تجتليك العيون شرقا وغربا
شبّه الممدوح بالنجم في رفعته وضيائه وذكر العيون آلة البصر التي ترى المشبّه والمشبّه به. فالطرفان حسّيان يقعان تحت البصر.
ومثله تشبيه الخدّ بالورد، وتشبيه الوجه بالقمر، وتشبيه الشعر بالليل.
ب- ويكونان من المسموعات،
مثال ذلك تشبيه صوت المغنّي بصوت البلبل، ومنه قول امرئ القيس في رجل غاظه ميل زوجته نحوه
يغطّ غطيط البكر شدّ خناقه
ليقتلني والمرء ليس بقتّال
شبّه أمرؤ القيس الزوج الهائج بصوت الفتيّ من الإبل الذي شدّ خناقه بحبل ليروّض. والطرفان حسّيان مسموعان.
ج- ويكونان من المذوقات:
ومنه تشبيه الريق بالشهد والخمر، أو كقول الشاعر:
كأنّ المدام وصوب الغمام
وريح الخزامى وذوب العسل
يعلّ بها برد أنيابها
إذا النجم وسط السّماء اعتدل
فالخمر وماء الغيوم وذوب العسل تشبّه جميعا بريق الحبيبة.والمشبّه والمشبّه به من المذوقات.
د- ويكونان في المشمومات:
كتشبيه رائحة فم الحبيبة بالمسك وأنفاس الطفل بعطر الزهر.
هـ- ويكونان في الملموسات:
كتشبيه الجسم بالحرير في قول الشاعر:
لها بشر مثل الحرير ومنطق
رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
2 - الطرفان العقليّان:
وهما اللذان يدركان بالعقل والوجدان، والمقصود بالوجدان تلك المشاعر النفسية من ألم، ولذّة، وغضب، ورضا، وسعادة، وشقاء، وما إلى ذلك.
فلو شبّهنا العلم بالحياة كان طرفا التشبيه عقليّين، فلا العلم محسوس ولا الحياة وإنّما يدركان بالعقل وحده
وهناك تشابيه يخترعها العقل وليس لها كيان خارجي سمّاها البلاغيون بالتشابيه الوهمية. وهي ما لا يدرك بإحدى الحواس، ولكنّه لو وجد فأدرك، لكان مدركا بها.
ومثالها، قوله تعالى في شجرة الزقّوم التي تخرج في أصل الجحيم طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: 65. فالشياطين ليس لها وجود خارجي محسوس، بل هي من عالم الغيب؛ لذلك فرؤوسها غير معروفة إلّا ما أخبرت به الشريعة، لكنها لو وجدت فأدركت لكان ادراكها عن طريق حاسة البصر.
وكذلك القول في ما قاله امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فالغول وأنيابها مما لا يدرك باحدى الحواس، ولكنها لو أدركت لكان ادراكها من طريق حاسة البصر.
وأعلم أن الوهمّي لا وجود لهيئته ولا لجميع مادّته، والخيالي جميع مادّته موجودة دون هيئة.
3 - الطّرفان المختلفان:
وهما اللذان يتكوّنان من مشبّه حسّي ومشبّه به عقلي، أو العكس.
أ- تشبيه المعقول بالمحسوس:
ومثاله قوله تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً البقرة: 171.
فالكفر شيء عقلي، والمشبّه به الناعق الذي يصوّت للأغنام حسّي
وكقول الشاعر:
إنّ حظّي كدقيق
في يوم ريح نثروه
ثمّ قالوا لحفاة
في أرض شوك إجمعوه
فالمشبّه (الحظّ) أمر معنوي يدركه العقل، والمشبّه به (الدقيق) أمر حسّي يدركه اللمس والبصر.
ب- تشبيه المحسوس بالمعقول:
ومثاله قوله تعالى إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: 64 - 65.
فالمشبه (طلعها) حسّي يدرك بالعين واللمس، والمشبّه به (رؤوس الشياطين) عقلي.
وكقول الشاعر:
وندمان سقيت الراح صرفا
وأفق الليل مرتفع السّجوف
صفت وصفت زجاجتها عليها
كمعنى دقّ في ذهن لطيف
فالمشبه (صفاء الخمر وصفاء زجاجتها) حسّي يدرك بالعين، أمّا المشبه به (معنى دقّ) فعقلي لا يدرك بالحواس. ومثل هذا كثير في شعر المحدثين
البحث الثاني طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب
1 - المفرد وأنواعه:
المفرد بلاغيا: كل ما ليس مركّبا، نحو: الولد نظيف، الولدان نظيفان، الأولاد نظيفون.
ويكون المفرد:
- مطلقا: إذا لم يقيّد بشيء نحو: ثغر كالدرّ، وخدّ كالورد، ولحظ كالسهم.
- مقيّدا: إذا أتبع بإضافة، أو وصف، أو حال، أو ظرف، أو سوى ذلك. ويجب أن يكون لهذا القيد تأثير في وجه الشّبه. نحو: الساعي بغير طائل كالرّاقم على الماء.
وطرفا التشبيه يمكن أن يكونا مطلقين، أو مقيدين، أو مختلفين، أي أن يكون أحدهما مطلقا والثاني مقيّدا، نحو: الشمس كالمرآة في يد المشلول، واللؤلؤ المنظوم كالثّغر.
2 - المركّب وأنواعه:
المركّب بلاغيا: هو الصورة المكوّنة من عدد من العناصر المتشابكة والمتماسكة.
قد يكون طرفا التشبيه:
أ- مركّبين، نحو قول المعرّي:
كأنّ سهيلا والنجوم وراءه
صفوف صلاة قام فيها إمامها
فالمشبه مركّب من سهيل والنجوم الأخرى وراءه
والمشبّه به مركّب من الإمام القائم في المحراب ومن المصلين الذين اصطفوا وراءه،
ومثاله قول بشّار بن برد:
كأن مثار النّقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا، ليل تهاوى كواكبه
المشبه مركب من النقع مثارا فوق الرؤوس، ومن السيوف اللامعة المتهاوية على رؤوس الأعداء.
والمشبّه به مركّب أيضا من الليل الدامس المظلم، ومن الكواكب اللامعة المتهاوية.
ب- مختلفين:
كأن يكون المشبه مفردا والمشبّه به مركّبا نحو قوله:
وحدائق لبس الشقيق نباتها
كالأرجوان منقّطا بالعنبر
المشبه هو (الحدائق) مفرد مقيّد بالوصف.
والمشبّه به مركّب من الأرجوان المنقّط بالعنبر.
أو أن يكون المشبّه مركّبا والمشبّه به مفردا نحو قوله:
لا تعجبوا من خاله في خدّه
كلّ الشقيق بنقطة سوداء
المشبه مركب من الخال والخد.
والمشبه به مفرد وهو (الشّقيق).
ولعلّك لاحظت أنّه متى ركّب أحد الطرفين فلا يكاد يكون الآخر مفردا مطلقا بل يكون مركّبا أو مفردا مقيّدا كما رأيت في الأمثلة السابقة
طرفا التشبيه باعتبار تعدّدهما
يعمد الأدباء والشعراء أحيانا إلى تشبيه عدّة أشياء مفردة بعدّة أشياء مفردة. وهذا الضرب من التشبيه قسمه البلاغيون أقساما هي:
1 - التشبيه الملفوف:
هو ما تعدّد طرفاه على أن يؤتي بالمشبّهات أوّلا على طريق العطف وغيره، ثم يؤتي بالمشبّهات بها كذلك. ومثاله
قول الشاعر:
ليل وبدر وغصن
شعر ووجه وقدّ
خمر ودرّ وورد
ريق وثغر وخدّ
ففي البيت الأول تعدّد المشبّه في الشطر الأول، فهناك ثلاثة مشبّهات هي: الليل والبدر والغصن على طريقة العطف بالواو.
وفي الشطر الثاني ثلاثة مشبّهات بها وهي شعر ووجه وقدّ.
وهكذا نرى أن الشاعر شبّه الشعر بالليل، والوجه بالبدر، والقدّ بالغصن، ولعلّك لاحظت أنه عند ما تعدّد الطرفان معا نتج أكثر من تشبيه.
وقل مثل ذلك في البيت الثاني.
2 - التشبيه المفروق:
وهو ما تعدّد طرفاه أيضا على أن يؤتي بكل مشبّه إلى جانب ما شبّه به على التوالي.
ومثاله قول المرقّش الأكبر:
النّشر مسك والوجوه دنا
نير وأطراف الأكفّ عنم
ففي البيت ثلاثة تشابيه لم يفصل فيها بين المشبّه والمشبّه به، وهي:
تشبيه النّشر بالمسك، والوجوه بالدنانير، وأطراف الأكفّ بالعنم.
3 - تشبيه التسوية:
وهو ما تعدّد فيه المشبّه وبقي المشبّه به مفردا. ومثاله قول لبيد ابن ربيعة العامري:
وما المال والأهلون إلّا ودائع
ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع
فالمشبّه متعدد (المال والأهلون) والمشبّه به مفرد (ودائع).
4 - تشبيه الجمع:
هو عكس تشبيه التسوية، يفرد فيه المشبّه، ويتعدّد المشبّه به، نحو قول شوقي يصف طائرة:
ذهبت تسمو فكانت أعقبا
فنسورا فصقورا فحماما
المشبه مفرد: الطائرة.
المشبه به مركّب- أعقبا+ نسورا+ صقورا+ حماما.
وكقول الآخر:
كأنّما يبسم عن لؤلؤ
منضدّ أو برد أو أقاح
المشبه مفرد هو الأسنان.
المشبه به مركّب- اللؤلؤ المنظوم+ البرد+ الأقاح
أقسام التشبيه باعتبار الأداة ووجه الشّبه
أولا: باعتبار الأداة:
يقسم التشبيه باعتبار الأداة إلى:
1 - تشبيه مرسل:
وهو ما ذكرت فيه الأداة. مثال ذلك قوله:
إنّما الدّنيا كبيت
نسجه من عنكبوت
حضرت الأداة وحضورها كما يقول أحدهم «يبقي على البعد أو الفضاء الفاصل بين الطّرفين في تصنيف الموجودات».
2 - تشبيه مؤكّد:
وهو ما حذفت منه الأداة، مثاله قول أحدهم:
أنت نجم في رفعة وضياء
تجتليك العيون شرقا وغربا
فأداة التشبيه محذوفة والتقدير: أنت مثل النّجم، أو أنت كنجم
ومن المؤكّد ما أضيف فيه المشبّه به إلى المشبّه، ومثاله:
والرّيح تعبث بالغصون وقد جرى
ذهب الأصيل على لجين الماء
والشاعر يريد تشبيه الأصيل بالذّهب، والماء باللّجين.
وهذا الضرب من التشبيه أبلغ، وأوجز، وأشدّ وقعا في النفس، والنكتة في بلاغته أنّه يجعل المشبّه والمشبّه به شيئا واحدا.
علّة التسمية هي : «بغياب الأداة ينتقل التركيب من إخبار بالمشابهة إلى إخبار بالمشبّه به عن المشبّه، فهو هو، وهذا مدخل التوكيد فيه، لذلك سمّي بالمؤكّد. وفيه تضيق المسافة الفاصلة بين الطرفين فتصل التطابق أو تكاد
فغياب الأداة إيهام بالتطابق، وهو أمر يرتبط بغياب شحنة المعقولية التي يقوم عليها الجمع بين طرفي التشبيه والتي تعبّر عنها الأداة».
ثانيا: باعتبار وجه الشّبه:
يقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه إلى:
1 - تشبيه مجمل:
وهو ما حذف منه وجه الشّبه، وبغيابه أجمل المتكلّم في الجمع بين الطرفين فسمّي مجملا، مثاله قول ابن الرومي في مغنّ.
فكأن لذّة صوته ودبيبها
سنة تمشّى في مفاصل نعّس
لم يذكر الشاعر وجه الشّبه لأنّه يدرك بسرعة وهو التلذّذ والارتياح. وقد كشف الأزهر الزنّاد عن سرّ التسمية وأثرها بقوله
«وبهذا الإجمال لم يقصد الباثّ إلى تحديد مجال التقاطع وإنّما تركه غائما. وهو دون شكّ يعوّل في ذلك على حدس سامعه في الاهتداء إلى ذلك المجال».
2 - تشبيه مفصّل:
وهو ما ذكر فيه وجه الشّبه. مثال ذلك قوله مفتخرا:
أنا كالماء إن رضيت صفاء
وإذا ما سخطت كنت لهيبا
فوجه الشّبه مذكور في التشبيه وهو (صفاء+ لهيبا). ورأى الأزهر الزّناد أنّ «بذكره يفصّل المتكلّم وجه الجمع بين طرفي التشبيه فيسهّل على المتقبّل (السامع أو القارئ) العثور على السّمة التي يشترك فيها الطرفان. ولذلك سمّي هذا التشبيه مفصّلا. وهذا التفصيل يبقي على الانفصال الموجود بين طرفي التشبيه إذ يشعر الباثّ سامعه بأنه يقرن بين الطرفين في نقطة واحدة وهما شيئان متمايزان في سائر السّمات».
ثالثا: باعتبار الأداة ووجه الشّبه معا:
يقسم التشبيه باجتماعهما وافتراقهما إلى:
1 - مؤكّد مفصّل:
وهو ما حذفت منه الأداة: وذكر وجه الشّبه، ومثاله:
أنت نجم في رفعة وضياء
تجتليك العيون شرقا وغربا
الأداة محذوفة، ووجه الشبه مذكور (الرّفعة والضياء).
2 - مرسل مجمل:
وهو ما ذكرت فيه الأداة وحذف وجه الشّبه، كقوله:
وكأنّ البنفسج الغضّ يحكي
أثر اللّطم في خدود الغيد
فالمشبه: البنفسج، والمشبّه به، أثر اللّطم في خدود الملاح، ووجه الشّبه محذوف (اللون)، والأداة: يحكي مذكور.
3 - تشبيه بليغ:
وهو ما حذفت منه الأداة ووجه الشّبه معا، فهو مؤكّد مجمل.
وهو أعلى التشابيه بلاغة ومبالغة في آن. ويأتي على صور متعدّدة تبعا لموقع المشبّه به من الإعراب. وأشهر هذه الصور:
أ. أن يكون المشبّه به خبرا للمشبّه
، كقول (عمر أبو ريشة):
يا بلادي وأنت نهلة ظمآ
ن وشبّابة على فم شاعر
فالمشبّه أنت، والمشبّه به: نهلة ظمآن (وهي في محلّ رفع خبر المبتدأ) الأداة: محذوفة، ووجه الشّبه مثلها محذوف وتقديره (الجمال).
وهناك تشبيه آخر. المشبّه: أنت، المشبّه به: شبّابة وهو معطوف على الخبر (نهلة)، والأداة محذوفة ووجه الشّبه مثلها محذوف.
ومثاله أيضا قول السيّاب:
عيناك غابتا نخيل ساعة السّحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
فوجه الشّبه وأداة التشبيه غائبان وبغيابهما فتح الباب أمام الذهن ليتطّلع إلى وجوه اللقاء الممكنة بين الطرفين فإذا هما شيء واحد، أو كالواحد وهذا مدخل البلاغة فيه.
ب- أن يكون المشبّه به حالا للمشبّه،
ومثاله: دخل نمرا، وخرج هرّا
فالمشبّه محذوف تقديره هو، والمشبّه به نمرا (حال) والأداة ووجه الشّبه غائبان محذوفان. والقول نفسه يصحّ في: خرج هرّا،
ومثاله أيضا قول علي محمود طه:
صاح بالشّمس لا يرعك عذابي
فاسكبي النّار في دمي وأريقي
وخذي الجسم حفنة من رماد
وخذي الرّوح شعلة من حريق
في البيت تشبيهان:
في الأول: المشبّه: الجسم، المشبّه به: حفنة، وهو حال من المشبّه، والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
في الثاني: المشبّه: الرّوح، والمشبّه به: شعلة، وهو حال من المشبّه، والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
ج- أن يكون المشبّه به مضافا إلى المشبّه:
ومثاله: لبس المريض ثوب العافية. فالمشبّه العافية، والمشبّه به ثوب، والعافية مضافة إلى الثوب.
ومنه أيضا قوله الياس فرحات:
هلّا مننت بلقيا أستردّ بها
فجر الشّباب فشمس العمر في الطّفل؟
في البيت تشبيهان:
في الأول: المشبّه (الشباب) مضاف إليه، المشبّه به: (فجر) أضيف إلى المشبّه .. والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
في الثاني: المشبّه: العمر (مضاف إليه)، والمشبّه به: الشمس (مضاف إلى المشبّه) والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
وهذا من باب إضافة المشبّه به إلى المشبّه
د- أن يكون المشبّه به مفعولا به ثانيا، والمشبّه مفعولا أوّلا،
ومثاله قول المازني في وردة ذابلة:
ولو استطعت حنيت أض
لاعي على ذاوي سناها
وجعلت صدري قبرها
وجعلت أحشائي ثراها
في البيت الثاني تشبيهان:
في الأوّل: المشبّه: صدري مفعول به أوّل ل (جعل)، والمشبّه به:
قبرها: مفعول به ثان ل (جعل). والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
هـ- أن يكون المشبّه به مفعولا مطلقا مبيّنا للنّوع،
على أن يكون المشبّه مصدرا مقدّرا من الفعل العامل فيه، ومثاله قول المازني في الوردة الذابلة.
وضممتها ضمّ الحبي
ب عسى يعود لها صباها
فالمشبّه: الضمّ (مصدر مقدّر من الفعل ضممتها) والتقدير ضممتها ضمّا كضمّ ... والمشبّه به: ضمّ: مفعول مطلق من الفعل ضمّ. والأداة ووجه الشّبه محذوفان.
و- أن يكون المشبّه به مجرورا ب (من) البيانية التي تبينّ المشبّه
، كقول الشابّي:
ورفرف روح غريب الجمال
بأجنحة من ضياء القمر
المشبّه: أجنحة الروح، المشبّه به: ضياء القمر مسبوق ب (من) البيانية التي بيّنت نوع الأجنحة، والأداة ووجه الشّبه، محذوفان.
ز. أن يكون المشبّه به أحد التوابع،
ومثاله قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً الأحزاب: 45. شبّه عليه الصلاة والسلام بالمصباح المنير الذي يهدي البشر إلى الله تعالى.
فالمشبّه النبيّ والمشبّه به: سراجا (معطوف على الحال شاهدا) والأداة ووجه الشبه محذوفان.
تشبيه التّمثيل وغير التمثيل
أولا: تشبيه التمثيل:
1 - تعريفه:
هو ما كان وجه الشّبه فيه صورة منتزعة من متعدّد، أو هو الذي يكون وجه الشّبه فيه مركّبا.
2 - شروطه:
اشترط البلاغيّون تركيب الصورة فيه، سواء أكانت العناصر التي تتألف منها صورته أو تركيبته حسّية أو معنوية.
وكلّما كانت عناصر الصورة أكثر، كان التشبيه أبعد وأبلغ.
3 - أمثلته:
قال ابن الرومي (المنسرح):
أوّل بدء المشيب واحدة
تشعل ما جاورت من الشّعر
مثل الحريق العظيم تبدؤه
أوّل صول صغيرة الشّرر
في هذين البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة تلتقي لتكوّن في النهاية وجها واحدا. للأجزاء المكوّنة لكل مشهد قيمة في تجمّعها ولا قيمة لكل جزء منفردا. يتكوّن المشهد الأول من الأجزاء الآتية:
غزا الشيب شعر الشاعر فبدأ بشعرة بيضاء ثم توسّع في هذا الشعر الأسود حتّى قضى عليه قضاء مبرما فاتسعت دائرة البياض وتوارت دائرة السّواد. المشهد الثاني المقابل يتمثّل في حريق عظيم بدأ بشرارة صغيرة ثم أخذت نيرانه تتوسّع ملتهمة كل ما يقع في طريقها
لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التمثيل:فبين المشيب وبقايا النار جامع البياض المشرب بالسواد الخجول.والمشيب يأتي على الشعر بأكمله تدريجيا والنار تلتهم كل ما يقف بوجهها تدريجيا أيضا.الشّيب يبدأ بشعرة واحدة والحريق العظيم تبدؤه شرارة صغيرة وهكذا فإن تشبيه التمثيل هذا يتكوّن من:
تشبيه (1) وفيه: مشبه (1) + مشبّه به (1) + وجه شبه (1)
تشبيه (2) وفيه: مشبه (2) + مشبّه به (2) + وجه شبه (2)
تشبيه (3) وفيه: مشبه (3) + مشبّه به (3) + وجه شبه (3)
والخلاصة أن تشبيه التمثيل مكوّن من مشبّه متعدّد+ وجه شبه متعدّد+ مشبّه به متعدّد.
ولهذا كان تشبيه التمثيل محتاجا إلى عمليّات ذهنية متلاحقة لفكّ أجزائه والتعرّف إلى التماثل القائم بين هذه الأجزاء. فالصورة فيه أشبه بالومضات (فلاش) المتلاحقة التي تجسّد في النهاية صورة متكاملة ولهذا كانت الصورة مشهدا متتابعا، ويجب التنبّه إلى أن المعوّل عليه في التعدّد هو وجه الشّبه فقط.
وقال ابن المعتزّ البحر الوافر:
كأنّ سماءنا لمّا تجلّت
خلال نجومها عند الصّباح
رياض بنفسج خضل نداه
تفتّح بينه نور الأقاحي
في البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة. يتكوّن المشهد الأوّل من الأجزاء الآتية.
تجلّت السّماء صباحا وقد انتشرت نجومها فبدت زرقاء بيضاء صفراء
المشهد الثاني يتكوّن من الأجزاء الآتية: رياض متناثرة يجتمع فيها البنفسج المخضّل بالندى إلى جانب روضة أخرى من الأقاحي التي تفتّح زهرها الأبيض المشوب بصفرة.
لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التّمثيل:
بين تجلّي السماء وانتشار نجومها صباحا وبين رياض البنفسج المتناثرة جامع الزرقة البنفسجية.
بين ندى الصبّاح وندى الأزاهير جامع اخضلال ونداوة.بين روض النجوم المتناثرة ورياض الأرض جامع التناثر في النجوم الذي يقابله تناثر الورود وتفرّقها في المرج الفسيح الذي يشبه رحابة السّماء وتداخل الألوان البنفسجي والأبيض والأصفر، يشبه تداخل ألوان السّماء وقد انحسرت النجوم في مكان منها وتناثرت في مكان آخر.
فوجه الشّبه كما ترى صورة منتزعة من متعدّد، ولو حذفنا شيئا من المشبّه أو المشبّه به لاختلّ التوازن بين أجزاء المشهدين المتقابلين، واختل معه وجه الشّبه الجامع بين أجزاء صورتي المشبّه والمشبّه به.
وقال البحتري في شقائق النعمان البحرالبحرالطويل:
شقائق يحملن النّدى فكأنه
دموع التّصابي في خدود الخرائد
عناصر المشهدين متضافرة لتقديم صورة متكاملة. لنبحث عن هذه العناصر
في المشهد الأول: شقائق النعمان+ الندى الذي يكلّلها
في المشهد الثاني: خدود الملاح+ دموع التّصابي المتساقطة
ووجه الشبه مكوّن من قطرات جميلة صافية تلمع فوق سطوح جميلة بيضاء مشوبة بصفرة. ولهذا كان وجه الشّبه منتزعا من متعدّد
لا يمكن حذف جزء من المشبّه أو المشبّه به وإلّا فإن وجه الشبه الجامع بين أجزائهما يختلّ ويتعطّل تناسق الصورة وتفقد رونقها.
ثانيا: تشبيه غير التّمثيل:
1 - تعريفه:
هو ما كان فيه وجه الشّبه مفردا، أي أنه ليس صورة منتزعة من متعدّد.
2 - أمثلته:
قال البحتري البحرالخفيف:
هو بحر السّماح والجود فازدد
منه قربا تزدد من الفقر بعدا
فعناصر التشبيه هي: المشبه: الممدوح، والمشبّه به: البحر، وجه الشبه: الجود. وهكذا فإنّ وجه الشبه ليس صورة منتزعة من متعدّد كما في تشبيه التمثيل.
وقال أبو بكر الخالدي من البحرالرّمل:
يا شبيه البدر حسنا
وضياء ومنالا
وشبيه الغصن لينا
وقواما واعتدالا
أنت مثل الورد لونا
ونسيما وملالا
زارنا حتى إذا ما
سرّنا بالقرب زالا
فالمشبّه في هذه الأبيات جميعا هو الحبيب. أمّا المشبّه به فهو على التوالي: البدر والغصن والورد
وجه الشّبه فيها صفات متعدّدة ولكنّها مفككة وليست مجموعة ومترابطة لتكوّن كلّا موحّدا إذ يمكن الاكتفاء بجزء منها وحذف أجزاء أخرى. ويبقى التشبيه قائما بعكس ما يحدث في تشبيه التمثيل الذي تكوّن عناصره كلّا مستقلّا لا يتخلّى عن أيّ جزء من أجزائه ولا يقوم إلّا بعناصره مجتمعة.
وقال السيّاب:
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يرجّه المجداف وهنا ساعة السّحر
كأنّما تنبض في غوريهما النّجوم
وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرّح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف
والموت والميلاد والظّلام والضيّاء
التشبيه الضّمني
1 - تعريفه:
هو تشبيه لا يوضع فيه المشبّه والمشبّه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان في التركيب.
من هذا التعريف ندرك أنّه مضمر في النّفس وأنه يؤثر فيه التلميح على التّصريح.
كما أن التسمية تشير إلى أن التشبيه غير ظاهر في الكلام وإنّما على المتلقّي أن يفهمه ضمنا لأنّه يخاطب ذكاءه وفطنته.
ويؤتى بهذا النوع من التشبيه ليدلّ على أنّ الحكم الذي أسند إلى المشبّه ممكن وإن لم يغب عنه جانب التّخييل.
2 - مزاياه:
من أهم المزايا التي يختصّ بها نذكر ما يأتي:
- - لا تظهر فيه الأداة أو وجه الشّبه بشكل صريح.
- - لا يرتبط فيه المشبّه بالمشبّه به ارتباطهما المعروف في باقي أنواع التشبيه، بل تلمح بينهما العلاقة من خلال المعنى الذي يكاد يخفيه التشبيه.
- - هو أبلغ من غيره، وأنفذ في النفوس والخواطر لاتخاذه جانب التلميح واكتفائه به.
- - يكثر وروده في الحكم والمواعظ والأمثال.
- - كثيرا ما يأتي في جملتين متواليتين لكلّ منهما معناها المستقلّ، وقد تربط جملة المشبّه به بجملة المشبّه بحرف الواو،
كقول أبي فراس من البحر الطويل
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
أو بحرف الفاء كقول المتنبي من البحر الوافر:
فإن تفق الأنام وأنت منهم
فإنّ المسك بعض دم الغزال
3 - أمثلته:
قال ابن الرّومي (الخفيف):
قد يشيب الفتى وليس عجيبا
أن يرى النّور في القضيب الرّطيب
لم يقل ابن الرّومي: الفتى وقد وخطه الشّيب كالغصن الرّطيب عند إزهاره لكنّه أتى بهذا المعنى ضمنا؛ ولهذا سمّي هذا التشبيه ضمنيا.
وقال أبو فراس (الطويل):
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
لم يقل أبو فراس: أنا إذا اشتدّ الخطب على قومي كالبدر الذي ينير الليلة الظلماء، بل ترك للمخاطبين أن يستنتجوا ذلك، وسيذهب ذهنهم إلى مثل هذا التشبيه لمجرّد سماعهم عجز البيت.
وقال غيره (الكامل):
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت
وقع السّهام ونزعهنّ أليم
يفهم البيت على أنّه تشبيه وإن غاب منه ما يدلّ على التشبيه.
لقد سكت الشاعر عن جزء من الصورة مطالبا القارئ أو المتلقّي باكتشافه، وليس من الصعب اكتشافه. فالمتلقّي يدرك أنّ الشاعر يشبّه
نظرة الحبيبة وإعراضها برشق السّهام ونزعها من جسد المطعون بها، فعينا الحبيبة ترشق بنظراتها الحبيب أو تعرض عنه فيكون لرشقها وإعراضها ألم كألم يحدثه الطّعن بالسّهام أو نزعها من جسد المطعون.
وقال المتنبّي الخفيف:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميّت إيلام
لم يقل المتنبي إنّ المتهاون بكرامته مرّة لا يحسّ بذلّ جديد يصيبه لأن كرامته ميتة، والكرامة الميتة كالجسد الميت لا يتألم إذا جرح جرحا جديدا. لقد مثّل الشطر الثاني المشبّه به ولم يرتبط بالصدر الذي يمثّل المشبّه بأيّ
رابط لفظي، لكنّ الارتباط المعنوي عوّض عن الرابط اللفظي.
4 - بين التشبيه الضمني والتشبيه التمثيلي:
- الأداة ووجه الشّبه محذوفان وجوبا في التشبيه الضمني لكنّهما محذوفان جوازا في التشبيه التمثيلي.
- المشبّه والمشبّه به معنى مركّب في كليهما من عدّة أجزاء.
- تربط المشبّه بالمشبّه به علاقة نحوية أو إعرابية في التشبيه التمثيلي، ولا يرتبطان في التشبيه الضمني بأية علاقة نحوية، بل تكون جملة المشبّه به استئنافية لا محلّ لها من الإعراب غالبا
التشبيه المقلوب
1 - تعريفه:
هو تشبيه معكوس يصير فيه المشبّه مشبّها به بادّعاء أنّ وجه الشّبه فيه أقوى.
2 - أمثلته:
قال أحدهم الكامل:
وبدا الصّباح كأنّ غرّته
وجه الخليفة حين يمتدح
فالمشبه: غرّة الصّباح وتباشيره. والمشبّه به: وجه الخليفة.
فالشاعر شبّه تباشير الصّباح في ضيائها بوجه الخليفة عندما يسمع المديح. وقد خرج الشاعر على المألوف في تشبيهه لأنّ المألوف والمتداول أن يشبّه وجه الخليفة بتباشير الصّباح ولكنّ الشاعر عكس الآية بهدف الإغراب والمبالغة.
وقال بشّارالبسيط :
وذات دلّ كأنّ البدر صورتها
باتت تغنّي عميد القلب سكرانا
المشبّه به: المرأة الحبيبة المدلّلة، والمشبّه: البدر. فالشاعر كسر المألوف وخلخل العلاقة بين المشبّه والمشبّه به، فقلب المعادلة وصدم القارئ لأنّه خرج على المألوف الذي استنفدت طاقاته الإيحائية، فخرّب العلاقة بين المشبّه والمشبّه به ليأتي بجديد مبالغ فيه
فبدل أن تشبه المرأة الجميلة البدر صار البدر عند الشاعر يشبه المرأة الجميلة لأن وجه الشّبه أقوى في المشبّه به منه في المشبّه، ولهذا فإنّ الشاعر يزعم أن المرأة الحبيبة أجمل من البدر.
لهذا عدّ التشبيه المقلوب ضربا من التجديد في الأساليب القديمة.
3 - من شروطه:
الشرط الرئيس في استعماله ألّا يرد إلّا في ما جرى عليه العرف لدى العرب، وهذا الشرط يحافظ على وضوح صورة القلب والانعكاس، وإلّا فإنه يصبح ضربا من الإلغاز.
4 - قيمته البلاغية:
سمّاه ابن جنّي: غلبة الفروع على الأصول، وقال: لا تجد شيئا من ذلك إلّا والغرض منه المبالغة».
وسمّاه ابن الأثير في المثل السائر «الطّرد والعكس» وقال عنه عبد القاهر «هو جعل الفرع أصلا والأصل فرعا».
لهذا عدّ التشبيه المقلوب ضربا من المبالغة وكسر الرتابة في التشابيه المبتذلة التي مجّها الذوق وملّها السمع لفرط تردّد المعاني المكرورة، فجاء التشبيه المقلوب ليقضي على الرّتابة ويحدث ضربا جديدا من العلاقات القائمة بين طرفي التشبيه.
التشبيه الدائري (الاستطرادي)
1 - تعريفه:
هو تشبيه يبدأ ب (ما)، وينتهي ب (الباء) الداخلة على أفعل التفضيل (أفعل). وغالبا ما يكون بين الفاتحة والخاتمة وصف للمشبّه به عادة قد يطول، وقد يقصر، ليعود في النهاية ويفضّل المشبّه على المشبّه به.
وتكمن قيمته في طول نفسه واتساع عبارته حيث يترك الشاعر المشبّه ليسترسل في تصوير المشبّه به وتعظيمه ليعود في البيت الأخير منه فيفضّل المشبه على المشبّه به زيادة في المبالغة والغلوّ.
وأكثر ما ورد بأربعة أبيات، وقد يرد في أقلّ من أربعة.
وربّما سمّي استطراديا لأنّ الشاعر يستطرد فيه إلى تفصيل أجزاء المشبّه به والإحاطة بمناحي الجمال والعظمة فيه ليكون في تفضيل المشبّه عليه إغراق في التعظيم والمفاضلة.
2 - أمثلته:
قال النابغة (البسيط):
فما الفرات- إذا هبّ الرّياح له
ترمي أو اذيّه العبرين بالزّبد
يمدّه كلّ واد مترع لجب
فيه ركام من الينبوت والخضد
يظلّ من خوفه الملّاح معتصما
بالخيزرانة بعد الأين والنّجد
يوما- بأجود منه سيب نافلة
ولا يحول عطاء اليوم دون غد
أراد النابغة أن يبالغ في وصف كرم النعمان فذهب إلى أنّ الفرات في حال فيضانه الأكبر عند ما ترمي أمواجهبالزّبد على ضفّتيه ويصبّ فيه كل واد ممتلئ بالماء تصطخب أمواجه فتجرّ كل شيء وتجتاح الركام من طمي ونبات. في هذه الحالة من الهيجان يدخل الخوف إلى قلب الملّاح فيبقى معتصما بمقدّمة السفنية وقد أدركه الخوف وأعياه الجهد. الفرات في حالة فيضانه هذه ليس أجود من النّعمان الذي لا يحول عطاء اليوم عنده دون عطاء الغد في حين يبقى فيضان الفرات موسميّا وعند ذوبان الثلج في المنبع. لقد استطرد الشاعر في وصف المشبّه به ثم استدار فنّيا ليجعل المشبّه أعلى رتبة من المشبّه به في حال كماله هذا.
وقد استخدم الشاعر الواسطة اللفظية وما- . بأجود.
وقد سلك الأخطل طريق النابغة فتوكأ عليه في تشبيهه الاستطرادي هذا محدثا تعديلا طفيفا فيها عند ما قال البسيط:
وما الفرات- إذا جاشت غواربه
في حافتيه وفي أوساطه العشر
وزعزعته رياح الصّيف واضطربت
فوق الجآجئ من آذيّة غدر
مسحنفر من جبال الروم يستره
منها أكافيف فيها دونه زور
يوما- بأجود منه حين تسأله
ولا بأجهر منه حين يجتهر
وقد أفرط الأعشى في اعتماد هذا الضرب من التشبيه، وربما كرّره في القصيدة الواحدة. ففي قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب عمد إليه مرّتين وعدّة أبياتها تسعة وستّون بيتا.
والتشبيه الأوّل مؤلّف من أربعة أبيات هي المتقارب:
- وما رائح روّحته الجنوب
يروّي الزروع ويعلو الدّيارا
- يكبّ السّفين لأذقانه
ويصرع بالعبر أثلا وزارا
- إذا رهب الموج نوتيّه
يحطّ القلاع ويرخي الزيارا
- بأجود منه بأدم العشا
ر لطّ العلوق بهنّ احمرارا
ولعلّه من الواضح التّقارب بين هذه المعاني الواردة في أبيات الأعشى وأبيات كلّ من النابغة والأخطل.
وبعد ثلاثة أبيات من هذا التشبيه الاستطرادي أنشأ الأعشى تشبيها استطراديا آخر قوامه ثلاثة أبيات هذه المرة
ومن أطول التشابيه الاستطرادية تشبيه للأعشى وصف فيه الأسد، وعدّته عشرة أبيات من البيت 21 إلى البيت 30، وفي القصيدة نفسها عاد إلى تشبيه استطرادي عدّة أبياته ثلاثة، لكنّه في وصف كرم الممدوح هذه المرّة، من البيت 31 وحتى البيت 33.
وقد أحصيت في ديوان الأعشى ثلاثة عشر تشبيها استطراديا حافظ أكثرها على العدد الشائع من الأبيات وهو أربعة أبيات.
وقد يقصر التشبيه الاستطرادي إذ يقتصر على بيت واحد
كقول طفيل الغنوي الطويل:
فما أمّ أدراص بأرض مطلّة
بأغدر من قيس إذا الليل أظلما
وقد أحصى أحد الباحثين ثمانية وخمسين تشبيها استطراديا لاثنين وعشرين شاعرا جاهليا كان نصيب الأعشى وحده منها ثلاثة عشر تشبيها.
المصادر
الكتاب: علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب
الناشر: المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس - لبنان