قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ كاملة مكتوبة مبوبة
قفا نبك معلقة امرؤ القيس الشهيرة التي لا يخلو منها كتاب من كتب الأدب.
مهما طال الحديث عن شعرالملك الضلّيل يبقى ناقصاً ما لم يتناول معلّقته التي أولاها الأقدمون عناية بالغة، وجعلها الرواة فاتحة كتبهم، وعُني بها الدّارسون فترجموها إلى عدة لغات أجنبية.
فذهب بعضهم إلى أنّ الدافع الذي دفع امرأ القيس إلى نظم المعلّقة هو يوم دارة جلجل حيث التقى بعنيزة ابنة عمه تتنزه مع العذارى فذبح لها ناقته. ومطلعها:
قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ
يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة:(وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد).
فالمعلّقة قصيدة لامية على البحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبياتها فهي برواية الأصمعي سبعة وسبعون بيتاً، وفي شرح المعلقات للزوزني واحد وثمانون بيتاً.
بإمكاننا أن نقّسم المعلّقة إلى سبعة أقسام، أطولها الغزل الذي يشغل نصف الأبيات.
القسم الأول: وصف الأطلال:
ويقع في ستة أبيات أولها:
قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْمل
وفيها وقوف على أطلال الديار، وسرد مواضع المنازل، وآثار الظباء وحنين إلى الأحبة الذين فارقهم ويتنهي هذا القسم عند قوله:
وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ
فهلْ عنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ
القسم الثاني: الغزل الصريح ووصف محاسن المرأة
وهو أطول الأقسام، وعدد أبياته سبعة وثلاثون بيتاً، أوله قوله:
وَبَيْضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهَا
تَمَتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ
وفي هذا القسم يذكر أسماء محبوباته، فهو يعاتب (فاطمة) المدللة ذات النظرات السواحر ويتحدث عم امرأة مخدرة يكنف خباءها الحراس من كلّ جانب، غير أن الشاعر استطاع أن يخادع الرقيب، ويغشى صاحبته آخر الليل، وأن يخرجها من مخدعها، وفي هذا القسم وصف حسي للمرأة يكشف عن ذوق الشاعر المرهف، إذا يذكر ضمور الخصر والبطن، وامتلاء الساق، وصفاء البشرة، وبريق الترائب، وسحرة المقلة، وغزارة الشعر، ـ ولين البنان، واكتمال الجمال، ووفرة النعم وينتهي هذا القسم عند قوله:
ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه
نصيحٍ على تَعذالهِ غيرِ مُؤْتَلِ
القسم الثالث: وفيه يشكو الشاعر همه ويصف ليله الطويل الثقيل
وهو أربعة أبيات يبدأ من قوله:
وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ
عَلَيَّ بأنواعِ الهمومِ ليَبْتَلي
وينتهي هذا القسم عند قوله:
فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ
بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
القسم الرابع: وفيه يفخر الشاعر باحتماله كَلَّ الصديق
يحكي فيه تجشمه مخاطر الطريق ومقابلته الذئب ومقارنته بنفسه وبالتفرد وهو أربعة أبيات أيضاً ويبدأ من قوله:
وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها
على كاهلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
وفي هذا القسم صعلكة لا تليق بأمير، ولذلك نسبها قوم إلى تأبط شرّا وينتهي هذا القسم عند قوله:
كِلانا إذا ما نالَ شيئًا أفاتَهُ
ومَن يحترِث حَرْثي وحَرْثك يهزُلِ
القسم الخامس: وفيه وصف دقيق للفرس
يذكر سرعته وحمرته ونشاطه، وضمور خصره، وعدوه ونزوه، وطول فخذيه، وذكاء قلبه، وقوة صلبه. وهذا القسم أحد عشر بيتاً أولها:
وَقَدْ أَغْتَدِي والطَّير في وُكنَاتِهَا
بِمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابِدِ هَيْكلِ
وتنتهي عند قوله:
كأنّ دِماءَ الهادِياتِ بنَحْرِهِ
عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشَيبٍ مُرَجَّلِ
القسم السادس: وهو الطرادُ أو المطاردة
إذْ يصف الشاعر البقر الوحشي وهو سبعة أبيات أولها:
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنّ نِعاجَه
عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ
فالبقر الوحشي أبيض مرقط ببعض السواد ويصف مشيه وطول أذنابه، وقدرة فرسه على إدراكه والإحاطة بالسرب. ويصف إعداد الطهاة للطعام، والعودة من رحلة الصيد وينتهي عند قوله:
فَباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ
وباتَ بعَيني قائمًا غَيرَ مُرْسَلِ
القسم السابع: وفيه يصف الطبيعة،
يصف منها البرق وهو آخر الأقسام ويقع في اثني عشر بيتاً ويبدأ من قوله:
أصاحِ تَرَى برقًا أُريكَ ومَيضَهُ
كَلَمْعِ اليَدَينِ في حَبيٍّ مكلَّل
فهو يصف وميض البرق، وسرعة انتشاره، وتفجيره السحب، ثم يصف انهمار السيول، وجرفها الشجر، وذعر الحيوان، ويصف الجبل الذي تكنفه مياه السيل، وازدهار النبت، والسباع الغرقى وينتهي عند قوله:
كأنّ السِّباعَ فِيهِ غَرْقَي عَشِيّةً
بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أنابيشُ عُنْصُلِ
وبهذا البيت تنتهي المعلقة. فانظر كيف ختمها، إذ لم بجعل لها قاعدة كما فعل غيره، وذلك عندما ينهون قصائدهم والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية.
لقد كانت الواقعية التامّة، والعضوية في تناول الأغراض وعرضها، وعمق التجربة الشعورية التي يصوّرها الشاعر، وصبّها في جوّ نفسي واحد، ووضوح شخصية امرئ القيس، والسرد القصصي الذي يبهر السامع، وبث الحركة والحياة في أوصال النص من أهم سمات المعلّقة.
أفلا ترى أنها أفضل المعلقات؟
امرؤالقيس الوقوف علي الأطلال
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لمْ يَعْفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُمُ
يَقُوْلُوْنَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وإِنَّ شِفائِيَ عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ فَهَلْ
عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟
ذكرالنساء اللاتي عرفهن امرؤالقيس
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
فَفَاضَتْ دُمُوْعُ العَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
ألَا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي
فَيَا عَجَبًا مِنْ كورها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا
وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
امرؤالقيس يوم خدر عنيزة
ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
فَقَالَتْ:لَكَ الوَيْلَاتُ!،إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا
عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
فَقُلْتُ لَهَا:سِيْرِي وأَرْخِي زِمَامَه
ولَا تُبْعدِيْنِي مِنْ جَنَاكِ المُعَلَّلِ
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ
بِشَقٍّ،وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ
ويَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ
عَلَيَّ، وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
أفاطِمَ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ
وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَةٌ
فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ
أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ؟
وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلَّا لِتَضْرِبِي
بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
وبَيْضَةِ خِدْرٍ لَا يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
تَجَاوَزْتُ أحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا
عَلَّي حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِي
إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ
تَعَرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ
امرؤالقيس موعد غرام
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا
لَدَى السِّتْرِ إلَّا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقَالتْ:يَمِيْنَ اللهِ، مَا لَكَ حِيْلَةٌ،
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي
خَرَجْتُ بِهَا تمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا
عَلَى أَثَرَيْنا ذيل مِرْطٍ مُرَحَّلِ
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى
بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ
عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
إذا التفتت نحوي تضوّع ريحُها
نسيمَ الصَّبا جاءت بريا القرنفُلِ
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ
تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
كَبِكْرِ المُقَانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْرَةٍ
غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ مُحَلَّلِ
تَصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقي
بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
وجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ
إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بِمُعَطَّلِ
وفَرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِمٍ
أثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
غَدَاثِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُلا
تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ
وكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ
وسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرَ شَثْنٍ كَأَنَّهُ
أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاويْكُ إِسْحِلِ
تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا
مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
وَتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَا
نَؤُومُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
إِلَى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً
إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ
تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَا
ولَيْسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَلِ
ألَّا رُبَّ خَصْمٍ فِيْكِ أَلْوَى رَدَدْتُهُ
نَصِيْحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِ
امرؤالقيس يصف الليل والفرس
ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ
عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ
وأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ
ألَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيْلُ ألَا انْجَلِي
بِصُبْحٍ، وَمَا الإصْبَاحُ منِكَ بِأَمْثَلِ
فَيَا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَهُ
بكل مُغار الفتل شُدّت بيذبل
كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها
بِأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْدَل ِ
وَقَدْ أغْتَدِي والطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا
بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا
كَجُلْمُوْدِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
كَمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ
كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالمُتَنَزَّلِ
مِسِحٍّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الوَنى
أَثَرْنَ الغُبَارَ بِالكَدِيْدِ المَرَكَّلِ
عَلَى الذبل جَيَّاشٍ كأنَّ اهْتِزَامَهُ
إِذَا جَاشَ فِيْهِ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ
يزل الغُلَامُ الخِفَّ عَنْ صَهَوَاتِهِ
وَيُلْوِي بِأَثْوَابِ العَنِيْفِ المُثَقَّلِ
دَرِيْرٍ كَخُذْرُوفِ الوَلِيْدِ أمَرَّهُ
تقلب كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ
لَهُ أيْطَلا ظَبْيٍ، وَسَاقَا نَعَامَةٍ
وإِرْخَاءُ سَرْحَانٍ، وَتَقْرِيْبُ تَتْفُلِ
كَأَنَّ عَلَى الكتفين مِنْهُ إِذَا انْتَحَى
مَدَاكُ عَرُوسٍ أَوْ صَلايَةَ حَنْظَلِ
وبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ ولِجَامُهُ
وَبَاتَ بِعَيْنِي قَائِمًا غَيْرَ مُرْسَلِ
امرؤالقيس يصف مغامرة الصيد
فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ
عَذَارَى دَوَارٍ فِي مُلاءٍ مُذيَل
فَأَدْبَرْنَ كَالجِزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ
بِجِيْدٍ مُعَمٍّ فِي العَشِيْرَةِ مُخْوِلِ
فَأَلْحَقَنَا بِالهَادِيَاتِ ودُوْنَهُ
جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لَمْ تُزَيَّلِ
فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ
دِرَاكًا، وَلَمْ يَنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ
وَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِن بَيْنِ مُنْضِجٍ
صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيْرٍ مُعَجَّلِ
ورُحْنَا وَراحَ الطَّرْفُ ينفض رأسه
مَتَى ما تَرَقَّ العَيْنُ فِيْهِ تَسَفَّلِ
كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرِهِ
عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّلِ
ضَلِيْعٌ إِذَا اسْتَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ
بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْسَ بِأَعْزَلِ
أحارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيْكَ وَمِيْضَهُ
كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ
يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِبٍ
أَمان السَّلِيْطَ بالذُّبَالِ المُفَتَّلِ
قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ حامر
وبَيْنَ إكام، بُعْدَمَا مُتَأَمَّلِي
فأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ عن كل فيقةٍ
يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ
وتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍ
وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجِنْدَلِ
كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً
مِنَ السَّيْلِ وَالغُثّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ
كَأَنَّ أبانًا فِي أفانين ودقه
كَبِيْرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ
وأَلْقَى بِصَحْرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَهُ
نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المحملِ
كَأَنَّ سباعًا فِيْهِ غَرْقَى غُديّة
بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أَنَابِيْشُ عَنْصُلِ
عَلَى قَطَنٍ، بِالشَّيْمِ، أَيْمَنُ صَوْبِهِ
وَأَيْسَرُهُ عَلَى السِّتَارِ فَيَذْبُل
وَأَلْقى بِبَيسانَ مَعَ الليلِ بَرْكَهُ
فَأَنْزَلَ مِنْهُ العُصْمَ مِنْ كُلِّ مَنْزِلِ