الشنفرى سابق الريح-من الشعراء الصعاليك
الشنفرى :إذا كان عروة بن الورد يمثل الجانب الإنساني في حركة صعاليك العرب.
فإن الشنفرى -ولا شك- يمثل الجانب الشيطاني فيها.
واسم الشنفرى، ونسبه، ونشأته الأولى، غامضة كل الغموض.
فكل ما يعرف عن الجانبين الأولين أنه الشنفرى، وأنه كان من الإواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد.
وأن أبا الشنفرى كان في موضع من أهله ولكنه كان في قلة، وأن أمه كانت سبية.
والشنفرى أحد أولئك الأغربة الذين رأينا أنهم كانوا يمدون حركة الصعلكة بجماعات كبيرة من الصعاليك، ويضعه صاحب لسان العرب نقلا عن ابن سيده عن ابن الأعرابي بين أغربة العرب،
من هوالشنفرى؟
وكذلك يفعل صاحب تاج العروس نقلا عن التهذيب والمحكم ولسان العرب، ويضعه ابن الأعرابي في نوادره بين أغربة الجاهلية، والشنفرى نفسه يصرح في بعض شعره بأنه "هجين".
ولكن يبدو أن الشنفرى يأبى إلا أن يوقعنا في إشكال غامض، فإنه بعد بيت واحد من تصريحه هذا يعود فيصرح بأنه أمه "ابنة الأحرار"،
وهنا نقف لنتساءل: كيف يتفق التصريحان وبينهما هذا التناقض الظاهر؟ ونعود إلى أخبار الشنفرى في مصادرها المختلفة نسألها الإجابة عن هذا التساؤل، ولكنا لا نظفر مع الأسف بشيء، فإن رواة أخباره لم يقفوا عند هذا التناقض، ولم يقدموا لنا الوسائل التي تعيننا على هذه الإجابة؛ لأنهم لم يذكروا شيئا له قيمة عن أسرة الشنفرى، لا عن أبيه ولا عن أمه، حتى ليلاحظ الأستاذlyall أن "أصل الشنفرى ونسبه مسألتان شديدتا الغموض".
والواقع أن أخبار الشنفرى كلها قليلة ومضطربة حتى ليعارض رواتها بعضهم بعضا، ومن هنا ترددت كلمة "لا" النافية في أول كل خبر منها. ومن الحق ما يذكره lyall من أن القصص التي تروى حول الشنفرى لا تتفق دائما مع قصائده، وإنما هي أقرب إلى أن تكون صورة من الأساطير الشعبية التي كثرت حول أبطال العصر الجاهلي من أن تكون أخبارا حقيقية.ومع ذلك فلا بد من محاولة للإجابة عن هذا التساؤل.
يرى fresnel أنه من المحتمل أن تكون أم الشنفرى مولودة من أب حر وأم أمة، وبهذا يكون الشنفرى من أولئك الذين يطلقون عليهم في الولايات الأمريكية اسم quarteron. ولكن هذا الأمر لا يعدو أن يكون فرضا، وصاحبه يصرح بأنه شيء من الممكن أن يُفترض وهكذا تظل المشكلة قائمة، ويظل السؤال واردا.
أما أنا فيبدو لي أن المسألة أيسر من هذا، وأنها لا تحتاج إلى تكلف مثل هذا الفرض الاحتمالي، وأن وصف الشنفرى لأمه بأنها "ابنة الأحرار" لا يعدو أن يكون تعبيرا عاطفيا يتلاءم مع ذلك الجو العاطفي الشديد الحساسية الذي قيلت فيه الأبيات، فهو صرخة من نفس الشنفرى الحساسة في وجه ابنة سيده المتعجرفة، يعلن لها فيها أن العبودية وضع اجتماعي خاطئ لا يُعترف به؛ لأن الله لم يخلق الناس عبيدا، وأنه إذا كانت الأوضاع الظالمة قد جعلتمن أُمه أَمة فإن هذا لا يغير من الوضع الإلهي الذي خلقها الله عليه، فهي ابنة أحرار قبل أن تكون أَمة، ولو أن هذه الفتاة المتعجرفة عرفت أصلها لعرفت أنها ابنة أحرار مثلها، ولهذا يعقب على قوله "وأمي ابنة الأحرار" بقوله "لو تعرفينها"، فكأنه يقول لها ذلك القول الذي قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص فيما بعد: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ وكأن المسألة عنده مسألة نسبية، فإذا كانت هذه الفتاة ترى أُمه أَمة فإنه يراها ابنة أحرار.
ومع ذلك فما زال في المشكلة جانب يحتاج إلى تفسير، وهو قول الشنفرى بعد ذلك:
إذا ما أروم الود بيني وبينها
يوم بياض الوجه مني يمينها
والذي يبدو لي أن وصف الشنفرى لوجهه بالبياض إما أن يكون على طريقة العرب في التعبير عن اللديغ بالسليم، وإما أن يكون لونا من السخرية من اهتمام هؤلاء السادة بمسألة اللون. ومع ذلك فهذا لبيت لم يرد إلا في رواية واحدة من روايات الأغاني المتعددة عن هذه القصة، وهي رواية مجهولة الراوية، فيها بعض تفصيلات غير معقولة.
ومهما يكن من أمر فإن لفظة "الشنفرى" تحمل في طياتها دليلا على أصل هذا الشاعر، فمن معاني هذه اللفظة الرجل الغليظ الشفتين، وغلظ الشفتين -كما هو معروف، وكما يقرر علماء الأجناس- من سمات الجنس الأسود. ويجعل fresne هذه الظاهرة من أدلته على أنه "من المؤكد أن أم الشنفرى كانت أمة سوداء أو من دم مختلط"، كما يجعلها lyall دليلاعلى أنه "من المرجح أن دما إفريقيا زنجيا أو حبشيا كان يجري في عروفه".
روايات حول حقيقةالشنفرى
أما عن بدء تصعلكه فإنه غامض كل الغموض، وتروى عنه ثلاث روايات:
إحداها عن محمد بن هشام النمري بسنده وتذكر أن الشنفرى أسرته بنو شبابة بن فهم فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرج من الأزد رجلا من بني شبابة، ففدته بنو شبابة بالشنفرى،
فكان الشنفرى في بني سلامان لا تحسبه إلا أحدهم حتى نازعته بنت الرجل الذي كان في حجره، وكان السلامي اتخذه ولدا، فقال لها الشنفرى: اغسلي رأسي يا أخية، فأنكرت أن يكون أخاها ولطمته، فذهب مغاضبا حتى أتى الذي اشتراه من فهم، فقال له: اصدقني ممن أنا؟ قال: أنت من الإواس بن الحجر، قال: أما إني لن أدعكم حتى أقتل منكم مائة بما استعبدتموني.
وأما الثانية فعن راوية مجهول يكذب فيها هذه الرواية ويقول إن الأزد قتلت الحارث بن السائب الفهمي، فأبوا أن يبوءوا بقتله، فباء بقتله رجل منهم يقال له حرام بن جابر، فلما ترعرع الشنفرى جعل يغير على الأزد مع فهم.
وأما الثالثة فعن راوية مجهول أيضا يُكذب فيها هاتين الروايتين، ويقول: بل كان من سبب أمر الشنفرى أن بني سلامان بن مفرج سبت الشنفرى وهو غلام، فجعله الذي سباه في بهمة يرعاها مع ابنة له، فلما خلا بها ذهب ليقبلها، فصكت وجهه، ثم سعت إلى أبيها فأخبرته، فخرج إليه ليقتله، فوجده ينشد أبياتا يأسف فيها على أن هذه الفتاة لا تعرف نسبه، فلما سمع الرجل قوله سأله: ممن هو؟ فقال: أنا الشنفرى أخو بني الحارث بن ربيعة، فقال له: لولا أني أخاف أن يقتلني بنو سلامان لأنكحتك ابنتي، فقال علي إن قتلوك أن أقتل منهم مائة رجل بك، فأنكحه ابنته، وخلى سبيله، فسار بها إلى قومه، فشدت بنو سلامان خلافه على الرجل فقتلوه، ثم أخذ يوفي بوعده للرجل فيغزو بني سلامان ويقتلهم.
ويروي ابن الأنباري عن نشأته الأولى ثلاث روايات: اثنتين عن مؤرج،
إحداهما تلك التي يرويها صاحب الأغاني عن النمري،
والأخرى يقول فيها: ويقال إن السبب في غزو الشنفري الأزد وقتلهم أن رجلا منهم وثب على أبيه فقتله والشنفري صغير، وكان أبوه في موضع من أهله ولكنه كان في قلة، فلما رأت أم الشنفرى أن ليس يطلب بدمه أحد ارتحلت به وبأخ له أصغر منه حتى جاورت في فهم، فلم تزل فيهم حتى كبر الشنفرى، فجعلت تبدو منه عرامة، وجعل يكره جانبه، فوقع في نفس تابط شرا، فكان يكرمه ويدنيه، وكان يغير مع تأبط شرا حتى صار لا يقام لسبيله.
والرواية الثالثة عن راوية مجهول، يقول فيها إن الأزد قتلت رجلا من فهم في خفرة رجل يقال له الحارث بن السائب الفهمي، فرهنوهم الشنفرى وأمه وأخاه، وأسلموهم ولم يفدوهم، فنشأ فيهم الشنفري، فكان شديد البأس والنفس وكان أشد فهم على الأزد قتلا وسلبا
ومهما يكن من أمر هذه الروايات المتناقضة المضطربة فإن المسألة في أبسط صورها ترجع إلى أن الشنفرى لسبب من الأسباب فقد توافقه الاجتماعي مع قبيلته الأزد، ثم انتقل إلى قبيلة فهم، تلك القبيلة المتمردة المشهورة بلصوصها، وهناك اتصل به تأبط شرا، ووجد فيه تلميذا ممتازا، فلقنه دروس الصعلكة الأولى حتى صار لا يقام لسبيله،
ورأى الشنفرى أن فرصة الانتقام من قبيلته الأزد قد سنحت له فصب عليها كل غزواته ولعل أقرب هذه الروايات إلى الحقيقة، وأبعدها عن أوهام الرواة، الرواية الثانية التي يرويها ابن الأنباري عن مؤرج، والتي تتحدث عن قتل الأزد أباه.
والشنفري نفسه في بعض شعره يصرح بأن قومه قد أضاعوا أباه، وفي أخباره أنه "قدم مني وبها حرم بن جابر فقيل له: هذا قاتل أبيك، فشد عليه فقتله"، وهو يصرح بهذا في تائيته المفضلية.
وأيا ما كانت الأسباب لهذا الحقد الذي ملأ نفس الشنفرى على بني سلامان فإنه قد وهب حياته للانتقام منهم، "فكان يُغير على الأزد على رجليه فيمن معه من فهم، وكان يُغير عليهم وحده أكثر ذلك".
وبلغت الرغبة في الانتقام في نفس الشنفرى حدا جعله يحرص على التفنن فيه، فكان يصنع النبل ويجعل أفواقها من القرون والعظام، فإذا غزاهم عرفوا نبله بأفواقها في قتلاهم، وكان إذا رمى رجلا منهم قال له تحديا: أأطرفك؟ثم يرمي عينه.
ويقتل الشنفرى منهم -فيما تزعم الروايات- تسعة وتسعين، ثم يتربص به أعداؤه، ثم يقتلونه بعد أن يتفننوا في تعذيبه تفننا قاسيا، ثم يمر رجل منهم بجمجمته فيضربها فتعقره فيموت، وتتم به المائة الذين كانت حلفة الشنفرى عليهم ويدور الجزء الأكبر من شعر الشنفرى حول هذا الصراع بينه وبين بني سلامان، والجزء الباقي منه حول أحاديث تصعلكه وفقره وتشرده وغاراته على غير بني سلامان.
ويساير هذا الشعر حياة الشنفرى منذ طفولته، فهم يروون له بيتين يخاطب بهما أمه بعد مقتل أبيه وموت أخيه تظهر فيهما قوة نفسه وبراعم تمرده الأولى.
فإذا ما لطمته الفتاة السلامية سجل هذه الحادثة البعيدة الأثر في حياته، وسجل أسفه لأن هذه الفتاة المغرورة لا تعرف شيئا عن نسب أبيه وأمه، ثم يتحدث إليها عن كرم نسبه.
صراع الشنفرى مع بني سالمان
ثم إذا ما بدأ الصراع المرير بينه وبين بني سلامان حرص على أن يسجل كل شيء في شعره: تهديده لهم، وتربصه بهم، وأحاديث غاراته عليهم، ويصف أسلحته التي يستخدمها، ويتحدث عن رفاق غاراته، وعن أعدائه وضحاياه،
حتى إذا ما أمسك به أعداؤه وقطعوا يده رثاها بأرجوزة، هي مزيج من الحزن والفخر حتى لا يشمت أعداؤه به، فإذا ما أخذوا يسخرون منه ويسألونه أين يدفنونه رد عليهم بمقطوعة رائعة، تظهر فيها قوة نفسه، فهو لا يحرص على أن يدفن، وإنما كل ما يُوصى به أن يلقوا بجسده إلى الضبع، رفيقة تشرده.
وإلى جانب هذا التسجيل لأحاديث الصراع بينه وبين بني سلامان سجل في شعره جوانب أخرى من حياته: فقره، وهزاله، ونعليه الممزقتين، وثيابه البالية، وحمله قربة الماء، وتشرده في الصحراء بين الوديان المخيفة حيث الجن والآساد، وغاراته على غير بني سلامان.
ويوشك ما وصل إلينا من شعر الشنفرى أن يدور كله داخل دائرة التصعلك، ونقول يوشك لأن تائيته المفضلية تبدأ بمقدمة طويلة من النسيب التقليدي، يرسم فيها صورة رائعة ممتازة لصاحبته الحيية الوفية الجميلة.
ومما يؤسف له أن مجموعة شعر الشنفرى التي بين أيدينا -برغم أنها مجموعة في ديوان- قليلة، فإذا أخرجنا منها "لامية العرب" التي رجحنا أنها ليست له، والتائية المفضلية، فإن ما يتبقى منها طائفة من المقطوعات والقصائد القصيرة.
وأخص ما يميز أسلوب الشنفرى الفني تلك الخشونة اللفظية التي تمثل اللغة البدوية الجاهلية أصدق تمثيل، ثم تلك القوة التعبيرية التي تجعل أسلوبه أسلوبا محكما لا رخاوة فيه، هذا إلى جانب ما يمتاز به من صدق التصوير، والصراحة في النقل عن الحياة
يقول الشنفري الأزدي
أَلاَ أُمُّ عَمْروٍ أَجْمَعَتْ فاسْتقَلَّتِ
وما وَدَّعَتْ جِيرانَها إِذْ تَوَلَّتِ
وقد سَبَقَتْنَا أُمُّ عَمْروٍ بأَمرِها
وكانت بأَعْناقِ المَطِيِّ أَظَلَّتِ
بِعَيْنَيَّ ما أَمْستْ فبَاتتْ فأَصبحت
فقَضَّتْ أُمُوراً فاستقَلَّتْ فَوَلَّتِ
فَوَاكَبِدَا على أُميْمَةَ بَعْدَ ما
طَمِعْتُ، فهَبْها نِعْمةَ العَيْشِ زَلَّتِ
فيَا جارَتِي وأَنتِ غيرُ مُلِيمَة
إِذَا ذُكِرَتُ، ولاَ بِذَاتِ تَقَلَّتِ
لقد أَعْجَبَتْنِي لا سَقُوطاً قِناعُها
إِذا ما مَشَتْ، ولا بِذَات تَلَفُّتِ
تَبِيتُ بُعيدَ النَّوْمِ تُهْدِي غَبُوقَها
لِجارَتِها إِذَا الهَدِيّةُ قَلَّتِ
تَحُلُّ بِمِنْجَاةٍ مِن اللَّوْمِ بَيْتَها
إِذا ما بُيُوتٌ بالمَذَمَّةِ حُلَّتِ
كأَنَّ لهَا في الأَرضِ نِسْياً تَقُصُّهُ
على أَمِّها، وإِنْ تُكَلِّمْكَ تَبْلَتِ
أُميْمةُ لا يُخْزِي نَثَاهَا حَلِيلَها
إِذا ذُكِرَ النِّسْوَانُ عَفَّتْ وجَلَّتِ
إِذا هُوَ أَمْسَى آبَ قُرَّةَ عَيْنِهِ
مآبَ السَّعيدِ لم يَسَلْ أَيْنَ ظَلَّتِ
فَدَقَّتْ وجَلَّتْ واسْبَكَرَّتْ وأُكْمِلَتْ
فَلْوْجُنَّ إِنسانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ
فَبِتْنا كأَنَّ البَيْتَ حُجِّرَ فَوْقَنَا
برَيْحانِةٌ رِيحَتْ عِشاءً وطُلَّتِ
بِريْحانَةٍ مِن بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ
لهَا أَرَجٌ، ما حَوْلهَا غيرُ مُسْنِتِ
وبَاضِعَةٍ حُمْرِ القِسِيِّ بَعَثْتُها
ومَنْ يَغْزُ يَغْنَمْ مَرَّةً ويُشَمَّتِ
خَرجْنا مِن الوَادِي الَّذِي بيْنَ مِشْعَلٍ
وبَيْنَ الجَبَا هَيْهاتَ أَنشَأْتُ سُرْبَتِي
أُمَشِّي على الأَرضِ التي لن تَضُرَّنِي
لأَِنْكِيَ قوماً أَو أَصادِفَ حُمَّتِي
أُمَشِّي على أَيْنِ الغَزَاةِ وبُعْدها
يُقَرِّبُنِي مِنها رَوَاحِي وغُدْوَتي
وأُمُّ عِيَالٍ قد شَهِدتُ تَقُوتُهُمْ
إِذا أَطَعَمْتُهْمْ أَوتَحَتْ وأَقَلَّتِ
تَخافُ علينا العَيْلَ إِنْ هي أَكثرتْ
ونحْنُ جِيَاعٌ، أَيَّ آلٍ تَأَلَّتِ
وما إِنَّ بها ضِنٌّ بما في وِعَائِها
ولكنَّها مِن خِيفِةِ الجُوعِ أَبْقَتِ
مُصَعْلِكَةٍ لا يَقْصُرُ السِّتْرِ دُونَها
ولاَ تُرْتَجَى للبَيْتِ إِن لم تُبَيِّتِ
لها وفْضةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً
إِذا آنَسَتْ أُولَى العَدِيّ أقْشَعَرَّتِ
وتأْتِي العَدِيَّ بارِزاً نِصْفُ سَاقِها
تَجُولُ كَعَيْرِ العَانَةِ المُتَلَفِّتِ
إِذَا فَزِعُوا طارتْ بأَبيضَ صارِمٍ
ورامَتْ بِما فِي جَفْرِها ثُمَّ سَلَّتِ
حُسامٍ كلَوْنِ المِلْح صافٍ حَديدُهُ
جُزَارٍ كأَقطاعِ الغَدِيرِ المُنَعَّتِ
تَرَاها كأَذْنابِ الحَسِيلِ صَوَادِراً
وقد نَهِلَتْ مِنَ الدِّمَاءِ وعَلَّتِ
قَتَلْنَا قَتِيلاً مُهْدِياً بِمُلَبِّدٍ
جِمَارَ مِنىً وَسْطَ الحَجِيجِ المُصَوِّتِ
جَزَيْنا سَلاَمَانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَها
بما قَدَّمتْ أَيديهِمُ وأَزلَّتِ
وهُنِّيءَ بِي قومٌ وما إِنْ هَنأْتُهُمْ
وأَصبحتُ في قومٍ وليْسوا بمُنْيَتي
شَفَيْنَا بِعَبْدِ اللهِ بَعْضَ غَلِيلِنَا
وعَوْفٍ لَدَى المَعْدَى أَوَانَ اسْتَهَلَّتِ
إِذا ما أَتَتْنِي مِيتَتي لم أُبالِهَا
ولم تُذْرِ خَالاتِي الدُّمُوعَ وعمَّتِي
ولو لم أَرْمِ في أَهْلِ َبْيِتِيَ قاعداً
إِذَنْ جاءَنِي بينَ العمودَيْنِ حُمَّتِي
أَلاَ لا تَعُدْنِي إِنْ تَشَكَّيتُ، خُلَّتِي
شَفَانِي بِأَعْلَى ذِى البُرَيْقَيْنِ غَدْوَتِي
وإِنِّي لَحُلْوٌ إِنْ أُرِيدَتْ حَلاَوَتِي
ومُرُّ إِذا نَفْسُ العَزُوفِ اسْتَمرَّتِ
أَبِيٌّ لِمَا آبى سَرِيعٌ مَباءَتِي
إِلى كلِّ نَفْسِ تَنْتَحِي في مَسَرَّتِي
الشنفرى، ونسبه، ونشأته الأولى، غامضة كل الغموض، فكل ما يعرف عن الجانبين الأولين أنه الشنفرى، وأنه كان من الإواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد،
المصادر
الكتاب: الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي
المؤلف: يوسف خليف