الأخطل-شاعر بني أمية
الاخطل :هوغياث بن غوث، من بنى تغلب، من فدوكس، ويكنى أبا مالك.
وقال مسلمة بن عبد الملك: ثلاثة لا أسأل عنهم، أنا أعلم العرب بهم: الأخطل والفرزدق وجرير.
فأمّا الأخطل فيجىء سابقا أبدا، وأمّا الفرزدق فيجىء مرّة سابقا ومرّة ثانيا، وأمّا جرير فيجىء سابقا مرّة وثانيا مرّة وسكّيتا مرة.
من هو الأخطل؟
وكان الأخطل يشبّه من شعراء الجاهلية بالنابغة الذّبيانىّ.
ودخل على عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين قد امتدحتك، فقال: إن كنت تشبّهنى بالحية والأسد فلا حاجة لى بشعرك! وإن كنت قلت مثل ما قالت أخت بنى الشريد، يعنى الخنساء، فهات، فقال:
وما بلغت كعب امرىء متطاول
به المجد إلّا حيث ما نلت أطول
وما بلغ المهدون فى القول مدحة
ولو أكثروا، إلّا الذى فيك أفضل
وكان الأخطل يمدح بنى أمية، مدح معاوية ويزيد ومن بعدهم من خلفاء بنى مروان حتّى هلك.
وقال أبو عبيدة: حدّثنى أبو حيّة النّميرىّ قال: حدّثنى الفرزدق قال: كنّا فى ضيافة معاوية ومعنا كعب بن جعيل التغلبىّ الشاعر، فقال له يزيد ابن معاوية: إنّ عبد الرحمن بن حسّان قد فضح عبد الرحمن بن الحكم وغلبه وفضحنا، فاهج الأنصار.
فقال له كعب: أرادّى أنت إلى الشّراك؟ أهجو قوما نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه! ولكنى أدلّك على غلام منّا نصرانّى ما يبالى أن يهجوهم، كافر شاعر كأنّ لسانه لسان ثور! قال: ومن هو؟ قال: الأخطل، فدعاه وأمره بهجائهم، فقال: على أن تمنعنى منهم؟ قال: نعم، فقال شعرا فيه:
الأخطل لعنة الله عليه يهجو الأنصار
ذهبت قريش بالسّماحة والنّدى
واللّؤم تحت عمائم الأنصار
فذروا المعالى لستم من أهّلها
وخذوا مساحيكم بنى النّجّار
فغضب النعمان بن بشير، ودخل على معاوية فوضع عمامته بين يديه، وقال: هل ترى لؤما؟ قال: بل أرى كرما وحسبا، فما ذلك ؟ فأنشده قول الأخطل واستوهبه لسانه، فوهبه له، فبلغ ذلك الأخطل، فعاذ بيزيد، فمنعه وصار إلى أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين أتهب لسان من ردّ عنك وغضب لك؟! قال: ومن هجانا؟ قال: عبد الرحمن بن حسّان،
شعر الأخطل في رملة بنت معاوية
وأنشده قوله فى رملة بنت معاوية:
وهى زهراء مثل لؤلؤة
الغوّاص ميزت من جوهر مكنون
قال: ما كذب يا بنى، فأنشده:
وإذا ما نسبتها لم تجدها
فى سناء من المكارم دون
قال: قد صدق يا بنىّ، فأنشده :
ثمّ خاصرتها إلى القبّة الخض
راء تمشى فى مرمر مسنون
فقال: أمّا فى هذا فقد أبطل .
ولما قتلت بنو تغلب عمير بن الحباب السلمىّ أنشد الأخطل عبدالملك بن مروان ، والجحّاف السّلمىّ عنده، فى شعر له:
ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر
بقتلى أصيبت من سليم وعامر
فخرج الجحّاف من فوره ذلك مغضبا حتّى أغار على البشر، وهو ماء لبنى تغلب، وقتل منهم ثلاثة وعشرين رجلا، وقال:
أبا مالك هل لمتنى مذ حضضتنى
على القتل، أم هل لامنى لك لائم
متى تدعنى أخرى أجبك بمثلها
وأنت امرؤ بالحق ليس بعالم
الاخطل مع عبدالملك بن مروان
فخرج الأخطل حتّى أتى عبد الملك بن مروان وقد قال:
لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة
إلى الله منها المشتكى والمعوّل
فإلّا تغيّرها قريش بملكها
يكن عن قريش مستماز ومزحل
فقال له عبد الملك: إلى أين يا ابن اللّخناء؟! قال: إلى الناريا أمير المؤمنين! قال: أما والله لو غيرها قلت لضربت عنقك.
الأخطل مع سعيد بن بيان
ونزل الأخطل على سعيد بن بيان التغلبىّ، وكان سعيد رجلا دميما أعور ذا مال كثير، وكان سيّد بنى تغلب بالكوفة، وكانت تحته برّة بنت أبى هانى التغلبىّ، وكانت من أجمل النساء،
فاحتفل له سعيد وأحسن صلته وأكرمه، فلمّا أخذت الكأس من الأخطل جعل ينظر إلى وجه برّة وجمالها وإلى دمامة زوجها وعوره! فتعجّب منها ومن صبرها عليه، فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل تدخل على الخلفاء والملوك وتنظر إلى هيئتهم وتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم: فأين ترى هيئتنا من هيئتهم؟ وهل ترى عيبا تنبّهنا عليه؟!فقال له الأخطل: ما لبيتك عيب غيرك! فقال له سعيد: أنا والله أحمق منك يا نصرانىّ حين أدخلتك منزلى، وطرده، فقال:
وكيف يداوينى الطّبيب من الجوى
وبرّة عند الأعور ابن بيان
ويلصق بطنا منتن الرّيح مجرزا
إلى بطن خود دائم الخفقان
ينهّنهنى الأحراس عنها، وليتنى
قطعت إليها اللّيل بالرّسفان
فهلّا زجرت الطّير إذ جاء خاطبا
بضيقة بين النّجم والدّبران
سبق الأخطل
وممّا سبق إليه الأخطل فأخذ منه قوله:
قرم تعلّق أشناق الدّيات به
إذا المؤون أمرّت فوقه حملا
أخذه الكميت فقال:
كأنّ الدّيات إذا علّقت
مؤوها به الشّنق الأسفل
وأشناق الديات: أصنافها من الحقاق والجذاع وأشباهها.
وقال الأخطل:
أجرير إنّك والذى تسموا له
كأسيفة فخرت بحدج حصان
أخذه الطّرمّاح فقال:
كفخر الإماء الرّائحات عشيّة
برقم حدوج الحىّ لمّا استقلّت
ومما أخذ عليه قوله فى عبد الملك بن مروان:
وقد جعل الله الخلافة منهم
لأبيض لا عارى الخوان ولا جدب
وهذا مما لا يجوز أن يمدح به خليفة، ويجوز أن يمدح به غيره، كقول الآخر:
إلى امرئ لا تخطّاه الرّفاق ولا
جدب الخوان إذا ما استنشئ المرق
وأخذ عليه قوله فى رجل من بنى أسد أجاره :
نعم المجير سماك من بنى أسد
بالطّفّ إذ قتلت جيرانها مضر
قد كنت أحسبه قينا وأنبؤه
فاليوم طيّر عن أثوابه الشّرر
وكان يقال لرهطه القيون، وقال الأخطل: فلمّا أجارنى وأحسن إلىّ طارالشّرر عن أثوابه، أى: بطل هذا اللقب. وهذا مدح كالهجاء .
وقوله لسويد بن منجوف يهجوه:
وما جذع سوء خرّب السّوس وسطه
لما حمّلته وائل بمطيق
فقال سويد: هجوتنى بزعمك فمدحتنى، لأنّك جعلت وائلا حمّلتنى أمرها، وما طمعت فى بنى تغلب منها
بين جرير والأخطل والفرزدق
وممّا يستجاد من شعر جرير والفرزدق والأخطل:
قوله جرير لأبيه أو جدّه :
فأنت أبى لم تكن لى حاجة
فإن عرضت أيقنت أن لا أباليا
وإنى لمغرور أعلّل بالمنى
ليالى أرجو أنّ مالك ماليا
بأىّ نجاد تحمل السّيف بعدما
قطعت قوى من محتمل كان باقيا
بأىّ سنان تطعن القوم بعدما
نزعت سنانا من قناتك ماضيا
ألم أك نارا يصطليها عدوّكم
وحرزا لما ألجأتم من ورائيا
وباسط خير فيكم بيمينه
وقابض شرّ عنكم بشماليا
ألا لا تخافا نبوتى فى ملمّة
وخافا المنايا أن تفوتكما بيا
وقوله :
يا أخت ناجية السّلام عليكم
قبل الرّحيل وقبل لوم العذّل
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم
يوم الرّحيل فعلت مالم أفعل
أو كنت أعلم وشك بين عاجل
لقنعت أو لسألت مالم أسأل
وقدم جرير المدينة فأتاه الشعراء وغيرهم، وأتاه أشعب فيهم، فسلّموا عليه وحادثوه ساعة، ثم خرجوا وبقى أشعب، فقال جرير له: أراك قبيح الوجه وأراك لئيم الحسب! ففيم قعودك وقد خرج الناس؟ فقال له أشعب:
إنه لم يدخل عليك أحد هو أنفع لك منّى! قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنى آخذ رقيق شعرك فأزيّنه بحسن صوتى، فقال له جرير: فقل فاندفع أشعب يتغنّى:
يا أخت ناجية السلام عليكم
فاستخفّ جريرا الطرب لغنائه بشعره، حتّى زحف إليه فاعتنقه، وسأله عن حوائجه، فأخبره فقضاها.
وقوله فى الفرزدق
لقد ولدت أمّ الفرزدق فاجرا
فجاءت بوزواز قصير القوائم
وما كان جار للفرزدق مسلم
ليأمن قردا ليله غير نائم
يوصّل حبليه إذا جنّ ليله
ليرقى إلى جاراته بالسّلالم
أتيت حدود الله مذ أنت يافع
وشبت فما ينهاك شيب اللهازم
تتبّع فى الماخور كلّ مريبة
ولست بأهل المحصنات الكرائم
هو الرّجس يا أهل المدينة فاحذروا
مداخل رجس بالخبيثات عالم
لقد كان إخراج الفرزدق عنكم
طهورا لما بين المصلّى وواقم
وقد كان عمر بن عبد العزير رحمه حين بلغه فجور الفرزدق نفاه عن المدينة.
تدلّيت تزنى من ثمانين قامة
وقصّرت عن باع العلى والمكارم
أراد قول الفرزدق :
هما دلّتانى من ثمانين قامة
كما انقضّ باز أقتم الرّيش كاسره
فلمّا استوت رجلاى فى الأرض قالتا
أحىّ يرجّى أم قتيل نحاذره
فقلت: ارفعا الأسباب لا يشعروا بنا
وأقبلت فى أعجاز ليل أبادره
أبادر بوّابين قد وكّلا بنا
وأحمر من ساج تبصّ مسامره
ومن جيّد شعر جرير مرثيته أمّ حزرة امرأته، وكان جرير يسمّيها
الجوساء، لذهابها فى البلاد، وأوّلها :
لولا الحياء لعادنى استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولّهت قلبى إذ علتنى كبرة
وذوو التّمائم من بنيك صغار
لا يلبث الأحباب أن يتفرّقوا
ليل يكرّ عليهم ونهار
صلّى الملائكة الذين تخيّروا
والطّيّبون عليك والأبرار
فلقد أراك كسيت أحسن منظر
ومع الجمال سكينة ووقار
كانت إذا هجر الحبيب فراشها
خزن الحديث وعفّت الأسرار
وقوله :
كيف العزاء ولم أجد مذ بنتم
قلبا يقرّ ولا شرابا ينقع
ولقد صدقتك فى الهوى وكذبتنى
وخلفتنى بمواعد لا تنفع
حيّوا الدّيار وسائلوا أطلالها
هل ترجع الخبر الدّيار البلقع
ولقد حبست لك المطىّ فلم يكن
إلا السّلام ووكف عين تدمع
بان الشّباب حميدة أيّامه
لو أنّ ذلك يشترى أو يرجع
رجف العظام من البلى وتقادمت
سنّى وفىّ لمصلح مستمتع
وفيها يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع
وممّا يختار للفرزدق قوله يهجو بنى كليب:
ولو ترمى بلؤم بنى كليب
نجوم اللّيل ما وضحت لسارى
ولو لبس النّهار بنو كليب
لدنّس لؤمهم وضح النّهار
وما يغدو عزيز بنى كليب
ليطلب حاجة إلا بجار
ومن إفراط الفرزدق قوله فى العذافر بن زيد:
لعمرك ما الأرزاق حين اكتيالها
بأكثر خيرا من خوان العذافر
ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى
وحلّ على خبّازه بالعساكر
بعدّة ياجوج وما جوج كلّهم
لأشبعهم يوما غداء العذافر
وقال بعض أهل الأدب: هذا الطعام اتّخذ فى قدر القائل:
بوّأت قدرى موضعا فوضعتها
برابية من بين ميث وأجرع
جعلت لها هضب الرّجام وطخفة
وغولا أثافى قدرنا لم تنزّع
بقدر كأنّ اللّيل شحنة قعرها
ترى الفيل فيها طافيا لم يقطّع
ويختار للفرزدق قوله :
وتقول: كيف يميل مثلك للصّبا
وعليك من سمة الكبير عذار
والشّيب ينهض فى الشّباب كأنّه
ليل يصيح بجانبيه نهار
وقوله:
تباريق شيب فى السّواد لوامع
وما خير ليل ليس فيه نجوم
ويختار للأخطل قوله فى سكران
صريع مدام يرفع الشّرب رأسه
ليحيا وقد ماتت عظام ومفصل
نهاديه أحيانا وحينا نجرّه
وما كاد إلا بالحشاشة يعقل
إذا رفعوا صدرا تحامل صدره
وآخر ممّا نال منها محمّل
وقوله فى الزّقاق
أناخوا فجرّو شاصيات كأنّها
رجال من السّودان لم يتسربلوا
فقلت: اصبحونى لا أبا لأبيكم
وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا
يدبّ دبيبا فى العظام كأنّه
دبيب نمال فى نقا يتهيّل
ويختار له قوله أيضا
يا قلّ خير الغوانى كيف رغن به
فشربه وشل فيهنّ تصريد
أعرضن من شمط بالرأس لاح به
… فهنّ منى إذا أبصرننى حيد
قد كنّ يعهدن منّى مضحكا حسنا
ومفرقا حسرت عنه العناقيد
فهنّ يشدون منّى بعض معرفة
هنّ بالوصل لا بخل ولا جود
هل الشّباب الذى قد فات مردود
أم هل دواء يردّ الشّيب موجود
لن يرجع الشيب شبّانا ولن يجدوا
عدل الشّباب لهم ما أورق العود
إنّ الشباب لمحمود بشاشته
والشّيب منصرف عنه ومصدود
وقوله :
لقد لبست لهذا الدّهر أعصره
حتّى تجلّل رأسى الشّيب واشتعلا
فبان منى شبابى بعد لذّته
كأنّما كان ضيفا نازلا رحلا
وقوله فى بنى أميّة
حشد على الحقّ عيّافو الخنا أنف
إذا ألمّت بهم مكروهة صبروا
شمس العداوة حتّى يستقاد لهم
وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
ويستجاد للأخطل قوله
ولقد غدوت على التّجار بمسمح
هرّت عواذله هرير الأكلب
لذّ يقبّله النّعيم كأنّما
مسحت ترائبه بماء مذهب
لبّاس أردية الملوك تروقه
من كلّ مرتقب عيون الرّبرب
ينظرن من خلل السّتور إذا بدا
نظر الهجان إلى الفنيق المصعب
خضل الكياس إذا تثنّى لم يكن
خلفا مواعده كبرق خلّب
وإذا تعوّرت الزّجاجة لم يكن
عند الشّروب بعابس متقطّب
وممّا سبق إليه الأخطل قوله
وإذا دعونك عمّهنّ فإنّه
نسب يزيدك عندهنّ خبالا
وقال القطامىّ:
وإذا دعونك عمّهنّ فلا تجب
فهناك لا يجد الصّفاء مكانا
نسب يزيدك عندهنّ حقارة
وعلى ذوات شبابهنّ هوانا
وقوله لزفر بن عمرو من هوازن
لعمر أبيك يا زفر بن عمرو
لقد نجّاك جدّ بنى معاز
وركضك غير ملتفت إليها
كأنّك ممسك بجناح بازى
لعمر أبى هوازن ما جزعنا
ولا همّ الظّعائن بانحياز
ظعائننا غداة غدت علينا
ونعمت ساعة السّيف الجراز
ولاقى ابن الحباب لنا حميّا
كفته كلّ راقية وحاز
وكان بنا يحلّ ولا يعانى
ويرعى كلّ رمل أو عزاز
فلمّا أن سمنت وكنت عبدا
نزت بك يابن صمعاء النّوازى
عمدت إلى ربيعة تعتريها
بمثل القمل من أهل الحجاز
فنعم ذوو الجناية كان قومى
لقومك لو جزى بالخير جازى
المصادر
الشعر والشعراء
ابن قتيبة