حاتم الطائى- مضرب الأمثال في الكرم
حاتم الطائي:حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج، من طيّئ، وأمّه عنبة بنت عفيف، من طيئ.
وكان حاتم الطائي جوادا شاعرا جيد الشعر، وكان حيث ما نزل عرف منزله.
وكان حاتم الطائي ظفرا ، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذ أسر أطلق.
من هو حاتم الطائي؟
حاتم الطائي يفدي الأسير بنفسه
ومرّ فى سفره على عنزة، وفيهم أسير، فاستغاث به الأسير، ولم يحضره فكاكه، فاشتراه من العنزيّين، وأقام مكانه فى القدّ حتّى أدّى فداءه . وقسم ماله بضع عشرة مرّة. وكان أقسم بالله لا يقتل واحد أمّه.
قال أبو عبيدة: أجواد العرب ثلاثة: كعب بن مامة، وحاتم طيئ، وكلاهما ضرب به المثل ، وهرم بن سنان صاحب زهيربن أبي سلمي.
وكانت لحاتم قدور عظام بفنائه، لا تنزل عن الأثافىّ . وإذا أهلّ رجب نحر كلّ يوم وأطعم.
حاتم الطائي يهدي الجمال كلها
وكان أبوه جعله فى إبل له وهو غلام، فمرّ به عبيد بن الأبرص وبشر بن أبى خازم والنابغة الذّبيانىّ، وهم يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من إبله ، وهو لا يعرفهم، ثم سألهم عن أسمائهم، فتسمّوا له ، ففرّق فيهم الإبل كلّها، وبلغ أباه ما فعل، فأتاه فقال له: ما فعلت الإبل؟ فقال: يا أبه، طوّقتك مجد الدهر طوق الحمامة، وأخبره بما صنع، فقال له أبوه: إذا لا أساكنك أبدا ولا أوويك، قال حاتم: إذا لا أبالى، فاعتزله.
حاتم الطائي يرث الكرم عن أمه
وكانت أمّه عنبة لا تليق سيئا سخاء وجودا، وكان إخوتها يمنعونها من ذلك فتأبى عليهم ، وكانت موسرة، فحبسوها فى بيت سنة يرزقونها قوتا ، لعلّها تكفّ عمّا كانت عليه إذا ذاقت طعم البؤس وعرفت فضل الغنى، ثم أخرجوها ودفعوا إليها صرمة من مالها ، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها، فقالت لها : دونك الصرمة، فقد، والله، مسّنى من الجوع ما آليت معه ألا أمنع الدهر سائلا شيئا! ثم أنشأت تقول:
شعر أم حاتم الطائي
لعمرى لقدما عضّنى الجوع عضّة
فآليت ألّا أمنع الدّهر جائعا
فقولا لهذا اللّائمى الآن أعفنى
وإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا
ولا ما ترون اليوم إلّا طبيعة
فكيف بتركى، يا ابن أم، الطّبائعا
وصف فروسية حاتم الطائي وكرمه
قال عدىّ بن حاتم: كان حاتم رجلا طويل الصمت، وكان يقول:
إذا كان الشىء يكفيكه التّرك فاتركه.
وقالت النّوار امرأته : أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض، واغبرّ
أفق السماء، وراحت الإبل حدبا حدابير ، وضنّت المراضع عن أولادها فما تبضّ بقطرة، وجلفت السنة المال ، وأيقنّا أنّه الهلاك.
فو الله إنى لفى ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطّرفين ، إذ تضاغى أصيبيتنا من الجوع، عبد الله وعدىّ وسفّانة، فقام حاتم إلى الصبيّين، وقمت إلى الصبيّة، فو الله ما سكنوا إلّا بعد هدأة من الليل، ثم ناموا ونمت أنا معه،
وأقبل يعلّلنى بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلمّا تهوّرت النجوم إذا شىء قد رفع كسر البيت ، فقال: من هذا؟ فولّى ثم عاد، فقال: من هذا؟ فولّى ثم عاد فى آخر الليل، فقال: من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند أصيبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع، فما وجدت معوّلا إلّا عليك أبا عدىّ،
فقال:والله لأشبعنّهم، فقلت: من أين؟ قال: لا عليك، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإيّاهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين ويمشى جانبيها أربعة، كأنّها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبّته بمديته، فخرّ، ثم كشطه، ودفع المدية إلى المرأة فقال: شأنك الآن ، فاجتمعنا على اللحم،
فقال: سوأة! أتأكلون دون الصّرم؟! ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا ويقول؛ هبّوا أيّها القوم عليكم بالنار، فاجتمعوا، والتفع بثوبه ناحية ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مزعة ، وإنه لأحوج إليه منّا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس، إلّا عظم أو حافر، فعذلته على ذلك ، فأنشأ حاتم يقول:
شعرحاتم الطائي في الكرم
مهلا نوار أقلّى اللّوم والعذلا
ولا تقولى لشىء فات: ما فعلا
ولا تقولى لمال كنت مهلكه
مهلا، وإن كنت أعطى الجنّ والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة
إنّ الجواد يرى فى ماله سبلا
لا تعذلينى فى مال وصلت به
رحما، وخير سبيل المال ما وصلا
حاتم الطائي ينافس النابغة الذبياني وآخر علي امرأة
وأتى حاتم ماويّة بنت عفزر يخطبها، فوجد عندها النابغة الذّبيانىّ ورجلا من النّبيت يخطبانها، فقالت لهم: انقلبوا إلى رحالكم، وليقل كلّ رجل منكم شعرا يذكر فيه فعاله ومنصبه، فإنى متزوّجة أكرمكم وأشعركم،
فانطلقوا، ونحر كلّ رجل منهم جزورا، ولبست ماويّة ثيابا لأمة لها واتّبعتهم، فأتت النّبيتىّ فاستطعمته، فأطعمها ذنب جزوره، فأخذته، وأتت النابغة فأطعمها مثل ذلك، فأخذته، وأتت حاتما وقد نصب قدوره، فاستطعمته، فقال: انتظرى حتّى تبلغ القدر إناها ، فانتظرت حتى بلغت، فأطعمها أعظما من العجز وقطعة من الحارك ، ثم انصرفت، وأهدى إليها النابغة والنّبيتىّ ظهرى جزوريهما، وأهدى إليها حاتم مثل ما أهدى إلى امرأة من جاراته،
وصبّحوها،فاستنشدتهم،
فأنشدها النّبيتىّ
هلّا سألت، هداك الله، ما حسبى
عند الشّتاء إذا ما هبّت الرّيح
وردّ جازرهم حرفا مصرّمة
فى الرّأس منها وفى الأنقاء تمليح
إذا اللّقاح غدت ملقى أصرّتها
ولا كريم من الولدان مصبوح
ثم استنشدت النابغة فأنشدها:
هلّا سألت بنى ذبيان ما حسبى
إذا الدّخان تغشّى الأشمط البرما
وهبّت الريح من تلقاء ذى أرل
تزجى مع الصّبح من صرّادها صرما
إنى أتمّم أيسارى وأمنحهم
مثنى الأيادى وأكسو الجفنة الأدما
ثم استنشدت حاتم الطائي فأنشدها :
أماوىّ إنّ المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذّكر
أماوىّ إنى لا أقول لسائل
إذا جاء يوما: حلّ فى مالنا نذر
أماوىّ إمّا مانع فمبيّن
وإمّا عطاء لا ينهنهه الزّجر
أماوىّ ما يغنى الثّراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر
أماوىّ إن يصبح صداى بقفرة
من الأرض لا ماء لدىّ ولا خمر
ترى أنّ ما أنفقت لم يك ضرّنى
وأنّ يدى ممّا بخلت به صفر
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما
أراد ثراء المال كان له وفر
فلمّا فرغ من إنشاده دعت ماويّة بالغداء فقدّم إلى كلّ رجل ما كان أطعمها، فنكّس النّبيتىّ والنابغة رؤوسهما، فلمّا رأى حاتم ذلك رمى بالذى قدّم إليهما، وأطعمهما ممّا قدّم إليه، فتسلّلا لواذا، فتزوّجت حاتما. (وفيها يقول :
وإنى لمزجاء المطىّ على الوجى
وما أنا من خلّانك ابنة عفزرا
فلا تسألينى واسألى: أىّ فارس؟
إذا الخيل جالت فى قنا قد تكسّرا
وإنى لوهّاب قطوعى وناقتى
إذا ما انتشيت، والكميت المصدّرا
وإنى كأشلاء اللّجام، ولن ترى
أخا الحرب إلّا ساهم الوجه أغبرا
أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها
وإنّ شمّرت يوما به الحرب شمّرا
وكانت من بنات ملوك اليمن. ويقال إن عدىّ بن حاتم منها، ويقال: بل عدىّ وعبد الله وسفّانة من النّوار. وعقب حاتم من ولد عبد الله، وليس لعدى عقب من الذكور.
ومما سبق إليه فأخذ منه قوله:
إذا كان بعض المال ربّا لأهله
فإنى بحمد الله مالى معبّد
أخذه حطائط بن يعفر فقال:
ذرينى أكن للمال ربّا، ولا يكن
لى المال ربّا، تحمدى غبّه غدا
أرينى جوادا مات هزلا، لعلّنى
أرى ما ترين. أو بخيلا مخلّدا
ويستحسن له قوله:
ألا أبلغا وهم بن عمرو رسالة
فإنّك أنت المرء بالخير أجدر
رأيتك أدنى من أناس قرابة
وغيرك منهم كنت أحبو وأنصر
إذا ما أتى يوم يفرق بيننا
بموت، فكن أنت الّذى يتأخّر
ومن شعره:
فإنّك إن أعطيت بطنك سؤله
وفرجك، نالا منتهى الذّمّ أجمعا
الرجل الذي أراد الإساءة لحاتم الطائي
وتذكر طيّئ أن رجلا يعرف بأبى خيبرىّ مرّ بقبر حاتم، فنزل به، وبات يناديه: يا أبا عدىّ اقر أضيافك!
فلمّا كان فى السّحر وثب أبو خيبرىّ يصيح: واراحلتاه! فقال له أصحابه: ما شأنك؟ فقال: خرج والله حاتم بالسيف حتى عقر ناقتى وأنا أنظر إليه،
فنظروا إلى راحلته فإذا هى لا تنبعث، فقالوا: قد والله قراك، فنحروها وظلّوا يأكلون من لحمها، ثم أردفوه وانطلقوا،
فبينا هم كذلك فى مسيرهم، طلع عليهم عدىّ بن حاتم ومعه جمل أسود قد قرنه ببعيره، فقال: إن حاتما جاءنى فى المنام فذكر لى شتمك إيّاه، وأنّه قراك وأصحابك راحلتك، وقد قال فى ذلك أبياتا، وردّدها علّى حتى حفظتها:
أبا خيبرىّ وأنت امرؤ
حسود العشيرة لوّامها
فماذا أردت إلى رمّة
بداويّة صخب هامها
تبغّى أذاها وإعسارها
وحولك عوف وأنعامها
وأمرنى بدفع جمل مكانها إليك، فخذه، فأخذه
المصادر
الشعر والشعراء
ابن قتيبة