كعب بن زهير- صاحب قصيدة البردة
كعب بن زهير أبوه زهير بن أبس سلمي فحلا مجيدا، وكان يحالفه أبدا إقتار وسوء حال.
وكان أخوكعب بن زهير بجير أسلم قبله، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة.
وكان كعب بن زهير أرسل إلي أخيه ينهاه عن الإسلام، فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فتوعده، فبعث إليه بجير فحذّره، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كعب بن زهير يعتذر لرسول الله
فبدأ كعب بن زهير بأبى بكر، فلما سلّم النبىّ صلى الله عليه وسلم من صلاة الصّبح جاء به وهو متلثّم بعمامته، فقال: يا رسول الله، هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام، فبسط النبىّ صلى الله عليه وسلم يده.
فحسركعب بن زهيرعن وجهه، وقال: هذا مقام العائذ بك يا رسول الله، أنا كعب بن زهير، فتجهّمته الأنصار وغلّظت له، لذكره كان قبل ذلك رسول صلى الله عليه وسلم، وأحبّت المهاجرة أن يسلم ويؤمنه النبىّ صلى الله عليه وسلم، فآمنه واستنشده:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
متيّم إثرها لم يجز مكبول
وما سعاد غداة البين إذ عرضت
إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول
وما تدوم على العهد الذى زعمت
كما تلوّن فى أثوابها الغول
ولا تمسّك بالودّ الذى زعمت
إلّا كما تمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيده إلّا الأباطيل
نبّئت أنّ رسول الله أوعدنى
والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذى أعطاك نافلة ال
قرآن، فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنّى بأقوال الوشاة، ولم
أذنب ولو كثرت فىّ الأقاويل
فلما بلغ كعب بن زهير قوله:
إنّ الرّسول لنور يستضاء به
وصارم من سيوف الله مسلول
فى عصبة من قريش قال قائلهم
ببطن مكّة لمّا أسلموا: زولوا
زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف
يوم اللّقاء ولا سود معازيل
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من عنده من قريش، كأنّه يومى إليهم أن يسمعوا، حتى قال:
يمشون مشى الجمال البهم يعصمهم
ضرب إذا عرّد السّود التّنابيل
يعرّض بالأنصار، لغلظتهم كانت عليه، فأنكرت قريش علي كعب بن زهير وقالوا: لم تمدحنا إذ هجوتهم، فقال كعب بن زهير:
من سرّه شرف الحياة فلا يزل
فى مقنب من صالحى الأنصار
الباذلين نفوسهم لنبيّهم
يوم الهياج وسطوة الجبّار
يتطهّرون، كأنّه نسك لهم،
بدماء من علقوا من الكفّار
النبي يكسو
فكسا النبىّ صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير بردة اشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم، وهى التى يلبسها الخلفاء فى العيدين. زعم ذلك أبان بن عثمان بن عفّان.
وقال الحطيئة لكعب بن زهير: قد علمتم روايتى لكم أهل البيت وانقطاعى إليكم، فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك ثم تذكرنى بعدك، فإنّ الناس أروى لأشعاركم، فقال
فمن للقوافى شأنها من يحوكها
إذا ما مضى كعب وفوّز جرول
كفيتك لا تلقى من الناس واحدا
تنخّل منها مثل ما يتنخّل
يثقّفها حتّى تلين كعوبها
فيقصر عنها من يسىء ويعمل
فاعترضه مزرّد أخو الشّمّاخ فقال :
فلست كحسّان الحسام ابن ثابت
ولست كشمّاخ ولا كالمخبّل
فباستك إن خلّفتنى خلف شاعر
من الناس لا أكفى ولا أتنخّل
وقال الكميت:
فدونك مقربة لا تسا
ط كرها بسوط ولا تركل
مهذّبة لا كقول الهذا
ء ممّن يسىء ومن يعمل
وما ضرّها أنّ كعبا ثوى
وفوّز من بعده جرول
المصادر
الشعر والشعراء لابن قتيبة