طرفة بن العبد الشاعرابن العشرين-شاعر المعلقات
طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك ابن عباد بن صعصعة بن قيس بن ثعلبة.
ويقال إنّ اسم طرفة بن العبد عمرو، وسمّى طرفة ببيت قاله. وأمّه وردة من رهط أبيه.
طرفة بن العبد صاحب المعلقة
وهو القائل:
ولطرفة بن العبد بعدها شعر حسن ، وليس عند الرّواة من شعره وشعر عبيد إلّا القليل .
وكان طرفة بن العبد فى حسب من قومه، جريئا على هجائهم وهجاء غيرهم.وكانت أخته عند عمرو بن بشر بن مرثد، وكان عبد عمرو سيّد أهل زمانه ، فشكت أخت طرفة شيئا من أمر زوجها
إليه، فقال:
ولا عيب فيه غير أنّ له غنى
وأنّ له كشحا، إذا قام، أهضما
وأنّ نساء الحىّ يعكفن حوله
يقلن: عسيب من سرارة ملهما
فبلغ عمرو بن هند الشعر، فخرج يتصيّد ومعه عبد عمرو، فأصاب حمارا فعقره، وقال لعبد عمرو: انزل إليه، فنزل إليه فأعياه، فضحك عمرو بن هند وقال: لقد أبصرك طرفة حين قال: «ولا عيب» البيت! وكان عمرو بن هند شريرا، وكان طرفة قال له قبل ذلك:
ليت لنا مكان الملك عمرو
رغوثا حول قبّتنا تخور
مقتل طرفة بن العبد
فقال عبد عمرو: أبيت اللعن، الذى قال فيك أشدّ مما قال فىّ، قال:
وقد بلغ من أمره هذه؟ قال: نعم، فأرسل إليه، وكتب له إلى عامله بالبحرين فقتله. وقد بيّنت خبره فى «كتاب الشراب» . ويقال إنّ الذى قتله المعلّى بن حنش العبدىّ، والذى تولّى قتله بيده معاوية بن مرّة الأيفلىّ ، حىّ من طسم وجديس.
ومن جيّد شعره قوله :
أرى قبر نحّام بخيل بماله
كقبر غوىّ فى البطالة مفسد
أرى الموت يعتام الكريم ويصطفى
عقيلة مال الفاحش المتشدّد
أرى الدّهر كنزا ناقصا كلّ ليلة
وما تنقص الأيّام والدّهر ينفذ
لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه فى اليد
وكان أبو طرفة مات وطرفة صغير، فأبى أعمامه أن يقسموا ماله، فقال :
ما تنظرون بمال وردة فيكم
صغر البنون ورهط وردة غيّب
قد يبعث الأمر العظيم صغيره
حتى تظلّ له الدّماء تصبّب
والظّلم فرّق بين حيّى وائل
بكر تساقيها المنايا تغلب
والصّدق يألفه الكريم المرتجى
والكذب يألفه الدّنىّ الأخيب
ويتمثّل من شعره بقوله :
وتردّ عنك مخيلة الرّجل ال
عرّيض موضحة عن العظم
بحسام سيفك أو لسانك، وال
كلم الأصيل كأرغب الكلم
وبقوله:
لنا يوم وللكروان يوم
تطير البائسات ولا نطير
الكروان: جمع كروان، مثل شقذان وشقذان، وهى دويبة
ويقال إن أوّل شعر قاله طرفة أنّه خرج مع عمّه فى سفر، فنصب فخّا، فلمّا أراد الرحيل قال:
يالك من قبّرة بمعمر
خلا لك الجوّ فبيضى واصفرى
ونقّرى ما شئت أن تنقّرى
قد رفع الفخّ فماذا تحذرى
لا بدّ يوما أن تصادى فاصبرى
طرفة بن العبد أصغر أصحاب المعلقات
وكان أحدث الشعراء سنّا وأقلّهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة، فيقال له «ابن العشرين» وكان ينادم عمرو بن هند، فأشرفت ذات يوم أخته، فرأى طرفة ظلّها فى الجام الذى فى يده، فقال:
ألا يا بأبى الظّبى ا
لّذى يبرق شنفاه
ولولا الملك القاع
د قد ألثمنى فاه
فحقد ذلك عليه، وكان قال أيضا:
وليت لنا مكان الملك عمرو
رغوثا حول قبّتنا تدور
لعمرك إنّ قابوس بن هند
ليخلط ملكه نوك كثير
وقابوس: هو أخو عمرو بن هند، وكان فيه لين، ويسمّى قينة العرس.
فكتب له عمرو بن هند إلى الرّبيع بن حوثرة عامله على البحرين كتابا أو همه فيه أنّه أمر له بجائزة، وكتب للمتلمّس بمثل ذلك.
قال أبو محمد: وأما المتلمس فقد ذكرت قصّته . وأمّا طرفة فمضى بالكتاب، فأخذه الربيع فسقاه الخمر حتّى أثمله، ثم فصد أكحله، فقبره بالبحرين. وكان لطرفة أخ يقال له معبد بن العبد، فطلب بديته، فأخذها من الحواثر .
قال أبو عبيدة: مرّ لبيد بمجلس لنهد بالكوفة، وهو يتوكّأ على عصا، فلمّا جاوز أمروا فتى منهم أن يلحقه فيسأله: من أشعر العرب؟ ففعل، فقال له لبيد: الملك الضلّيل، يعنى أمرأ القيس، فرجع فأخبرهم، قالوا: ألّا سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: ابن العشرين، يعنى طرفة، فلما رجع قالوا: ليتك كنت سألته: ثم من؟ فرجع فسأله، فقال: صاحب المحجن، يعنى نفسه .
قال أبو عبيدة: طرفة أجودهم واحدة، ولا يلحق بالبحور ، يعنى امرأ القيس وزهيرا والنابغة، ولكنّه يوضع مع أصحابه، الحارث بن حلّزة وعمرو ابن كلثوم وسويد بن أبى كاهل.
وممّا سبق إليه طرفة فأخذ منه قوله يذكر السفينة:
يشقّ حباب الماء حيزومها بها
كما قسم التّرب المفايل باليد
أخذه لبيد فقال:
تشقّ خمائل الدّهنا يداه
كما لعب المقامر بالفيال
وأخذه الطّرمّاح فقال:
وغدا تشقّ يداه أوساط الرّبا
قسم الفيال تشقّ أوسطه اليد
ومن ذلك قوله:
ومكان زعل ظلمانه
كالمخاض الجرب فى اليوم
قد تبطّنت وتحتى سرح
الخدر تتّقى الأرض بملثوم معر
أخذه عدىّ بن زيد ولبيد، فقال عدىّ:
ومكان زعل ظلمانه
كرجال الحبش تمشى بالعمد
قد تبطّنت وتحتى جسرة
عبر أسفار كمخراق وحد
وقال لبيد:
ومكان زعل ظلمانه
كحزيق الحبشيّين الزّجل
قد تبطّنت وتحتى جسرة
حرج فى مرفقيها كالفتل
ومن ذلك قوله :
فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
وجدّك لم أحفل متى قام عوّدى
فمنهنّ سبقى العاذلات بشربة
كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكرّى، إذا نادى المضاف، محنّبا
كسيد الغضا، نبّهته، المتورّد
وتقصير يوم الدّجن، والدّجن معجب
ببهكنة تحت الخباء المعمد
أخذه عبد الله بن نهيك بن إساف الأنصارىّ فقال
فلولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
وجدّك لم أحفل متى قام رامس
فمنهنّ سبقى العاذلات بشربة
كأنّ أخاها مطلع الشّمس ناعس
ومنهنّ تجريد الكواعب كالدّمى
إذا ابتزّ عن أكفالهنّ الملابس
ومنهنّ تقريط الجواد عنانه
إذا استبق الشّخص الخفىّ الفوارس
ومما سبق إليه قوله
ستبدى لك الأيّام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لّم تزود
وقال غيره:
ويأتيك بالأنباء من لم تبع له
بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
ومن جيد شعره:
ألا أيّها اللّاحىّ أن أحضر الوغى
وأن أشهد اللّذّات: هل أنت مخلدى
فإن كنت لا تستطيع دفع منيّتى
فذرنى أبادرها بما ملكت يدى
أرى قبر نحّام بخيل بماله
البيت أرى الدّهر كنزا
البيتين ومن جيّد شعره:
ولا غرو إلّا جارتى وسؤالها
ألا هل لّنا أهل؟ سئلت كذلك
دعا عليها بأن تغترب حتّى تسأل كما سألته.ومن حسن الدعاء قول النابغة الذبيانىّ
أغيرك معقلا أبغى وحصنا
فأعيتنى المعاقل والحصون
وجئتك عاريا خلقا ثيابى
على خوف تظنّ بى الظّنون
العارى: من «عراك يعروك» إذا أتاك يطلب ما عندك، ونحوه العافى.
ومن جيّد شعر طرفة:
وأعلم علما ليس بالظّنّ أنّه
إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليل
وإنّ لسان المرء، مالم تكن له
حصاة، على عوراته لدليل
وإنّ امرءا لم يعف يوما فكاهة
لمن لم يرد سوءا بها لجهول
وقال وهو صبىّ:
كلّ خليل كنت خاللته
لا ترك الله له واضحه
كلّهم أروغ من ثعلب
ما أشبه الليلة بالبارحه
وممّا يعاب من شعره قوله يمدح قوما:
أسد غيل فإذا ما شربوا
وهبوا كلّ أمون وطمر
ثمّ راحوا عبق المسك بهم
يلحفون الأرض هدّاب الأزر
ذكر أنّهم يعطون إذا سكروا، ولم يشرط لهم ذلك فى صحوهم كما قال عنترة
:
وإذا شربت فإنّنى مستهلك
مالى، وعرضى وافر لم يكّلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى
وكما علمت شمائلى وتكرّمى
قالوا: والجيّد قول زهير :
أخو ثقة لا تتلف الخمر ماله
ولكنّه قد يتلف المال نائله
وقال بعض المحدثين:
فتى لا تلوك الخمر شحمة ماله
ولكن عطايا عوّد وبوادى
طرفة أوّل من ذكر الأدرة
وطرفة أوّل من ذكر الأدرة فى شعره، فقال:
فما ذنبنا فى أن أداءت خصاكم
وأن كنتم فى قومكم معشرا أدرا
إذا جلسوا خيّلت تحت ثيابهم
خرانق توفى بالضّغيب لها نذرا
وذكرها النابغة الجعدىّ فقال:
كذى داء بإحدى خصيتيه
وأخرى لم توجّع من سقام
فضمّ ثيابه من غير برء
على شعراء تنقض بالبهام
وطرفة أوّل من طرد الخيال، فقال:
فقل لخيال الحنظليّة ينقلب
إليها، فإنى واصل حبل من وصل
وقال جرير:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا
وقت الزّيارة فارجعى بسلام
قال الأصمعىّ: قلت لشيخ مسنّ من المدنييّن: أرأيت قول كثيّر:
قد أروع الخليل بالصّرم منّى
لم يخفه، وقلّة التّكليم
أىّ شىء هذا من السّباب؟فقال: يا ابن أمّ، أىّ شىء يصنع؟ أحرقته!!
المصادر
الشعر والشعراء
ابن قتيبة