عروة بن الورد أميرالصعاليك

عروة بن الورد أميرالصعاليك


عروة بن الورد:ينتهي نسب عروة إلى قبيلة عبس.

 فهو عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن ليدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس.

عروة بن الورد من هذه الناحية في شرف من قبيلته، ولكن أباه كانت عبس تتشاءم به؛ لأنه هو الذي أوقع الحرب بينها وبين فزارة بمراهنته حذيفة.


عروة بن الورد




من هو عروة بن الورد؟

أما أم عروة بن الورد فليس فيما بين أيدينا من أخباره ما يشير إليها، ولكن عروة نفسه قد كفانا مشقة البحث عنها، فهو يذكر في شعره أنها من نهد من قضاعة، ولكن الشيء الذي يلفت النظر في حديث عروة عن أمه أنه دائم السخط على هذه الصلة التي ربطت بين أبيه وأمه.
 وبل إنه يهجو أخواله هجاء مرا، ولعل من أسباب هذا أن قبيلة نهد كانت أقل شرفا من عبس، أو ربما كانت هناك أسباب أخرى لم تصل إلينا أخبارها.

 ولعل هذا الإحساس الذي سيطر على نفس عروة بأن أمه أقل شرفا من أبيه هو الذي جعله ينسب كل ما يحسه من عار إلى تلك الصلة التي تربطه بأخواله النهديين.

العقدة النفسية عند عروة بن الورد

ومعنى هذا أن عروة قد وضع منذ نشأته الأولى بين شقي الرحى، فأبوه تتشاءم منه قبيلته، وأمه من قبيلة أقل شرفا.

نشاةعروة بن الورد


وليس لدينا عن نشأة عروة بن الورد الأولى سوى خبر واحد، ولكنه قوي الدلالة على تلك الظروف الأولى التي جعلته يشعر بالظلم شعورا قويا سيطر عليه في كل مراحل حياته بعد ذلك، كما أنه قوي الدلالة على قوة نفسه التي بدأت براعمها في الظهور منذ وقت مبكر. 

ففي الأخبار أن عروة بن الورد كان له أخ أكبر منه وكان أبوه يؤثره عليه فيما يعطيه ويقربه، "فقيل له: أتؤثر الأكبر مع غناه عنك على الأصغر مع ضغفه؟ قال: أترون هذا الأصغر؟ لئن بقي مع ما أرى من شدة نفسه ليصيرن الأكبر عيالا عليه".

ومعنى هذا أن عروة بن الورد تفتحت عيناه في الحياة على صورة مختلة التوازن من صورها: صورة الأخ الأكبر الذي يؤثره أبوه مع غناه عنه، وإلى جانبها صورة الأخ الأصغر الذي يهمله أبوه مع ضعفه وحاجته إليه. أليست هذه الصورة هي التي شاهدها عروة بعد ذلك في المجتمع الذي يعيش فيه في مجال أوسع: الأغنياء الذين تؤثرهم الحياة بكل شيء مع غناهم، وإلى جانبهم الفقراء الذين تحرمهم الحياة من كل شيء مع شدة حاجتهم وضعفهم؟

وهكذا بدأت براعم فلسفة عروة بن الورد الاجتماعية والاقتصادية في الظهور في هذه السن المبكرة.

وما إن تتقدم الأيام بعروة حتى تتفتح هذه البراعم عن فلسفة ناضجة، يؤمن بها كل الإيمان، ثم يأخذ في تنفيذها والدعوة إليها بكل قوة وحماسة ومن الطبيعي أن تجد دعوته آذانا صاغية، وقلوبا مؤمنة، وأنصارا مخلصين بين أولئك الفقراء المستضعفين الذين أجهدهم الفقر وأهزلهم الجوع، وأذلتهم الأوضاع الاجتماعية، وسدت الحياة في وجوههم سبل العيش الحر الكريم،

 فالتفت حوله طوائف من الصعاليك، يخرج بأقويائهم فيغير، ثم يوزع الغنائم على من أغار بهم، وعلى من تخلف عنه من المرضى والضعفاء أيضا، فربما عاد كل منهم إلى أهله وقد استغنى.

وقد عرف الصعاليك في عروة بن الورد هذه النفس الإنسانية القوية فكانوا إذا أصابتهم السنة أتوه "فجلسوا أمام بيته حتى إذا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك، أغثنا" فيخرج ليغزو بهم.

وقد عرف عروة لهذه "الأبوة" على حد تعبير هؤلاء الصعاليك الذين كان يسميهم "عياله" أو لهذه "الزعامة" -كما يصح أن نطلق عليها- حقوقها. فلم يكن يؤثر نفسه بشيء على صعاليكه، وإنما "كان صعلوكا فقيرا مثلهم"، 

وفي بعض غارته، وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاء شديد، قيض الله له رجلا "صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه" فقتله وأخذ إبله ثم أقبل بالإبل يقسمها بين صعاليكه، وأخذ مثل نصيب أحدهم.

عروة بن الورد زعيم شعبي


وعرف هذا "الزعيم الشعبي" "نفسية جماهيره" فكان يقبل منهم أحيانا التواءهم عليه إذا ما تحسنت حالتهم؛ لأنه يعرف أنهم كما الناس على حد تعبيره، ولأنه يدرك أنهم صنيعته، ولو أنه عاملهم كما يعاملونه لأفسد ما يصنع، ولانفضت الجماهير من حوله، وهو حريص عليهم لأنه حريص على تنفيذ مذهبه في الحياة. 

ففي أخبارعروة بن الورد  أنه غنم في بعض غزواته إبلا وامرأة، فلما أخذ في قسمة الإبل بين صعاليكه أخذ مثل نصيب أحدهم واستخلص المرأة لنفسه، "فقالوا: لا واللات والعزة لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا، فمن شاء أخذها، فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتهلم وينتزع الإبل منهم، ثم يذكر أنهم صنيعته، وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع، ففكر طويلا، ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه، حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه".

عروة بن الورد قائد محنك

عروة بن الورد  إلى جانب هذه "الزعامة" الحكيمة "قائد" موفق يخرج "بجنوده" ويرسم لهم الخطط الدقيقة التي تضمن لهم الفوز. ففي أخباره أنه خرج بصعاليكه إلى أرض بني القين، فهبط أرضا ذات حجارة كبيرة فيها ماء، فرأى عليه آثارا "فقال: هذه آثار من يرد هذا الماء فاكمنوا، فأحر أن يكون قد جاءكم رزق"، فأقاموا يوما "ثم ورد عليهم فصيل، فقالوا: دعنا فلنأخذه فلنأكل منه يوما أو يومين، فقال: إنكم إذن تنفرون أهله، وإن بعده إبلا، فتركوه فندموا وجعلوا يلومون عروة من الجوع الذي جهدهم، ووردت إبل بعده بخمس فيها ظعينة ورجل مع السيف والرمح، والإبل مائة متال، فخرج إليه عروة، فرماه في ظهره بسهم أخرج من صدره فخر ميتا، واستاق عروة الإبل والظعينة حتى أتى قومه". أرأيت إلى هذه القيادة الموفقة كيف تتخير المكان والزمان، وكيف تحكم الخطة ولا تتعجل تنفيذها حتى تحين الفرصة المناسبة؟.

ومن مظاهر هذه القيادة الموفقة الحذر، فقد كان عروة بن الورد إذا نزل بصعاليكه في موطن من مواطن الخوف أخذ للأمر عدته فبعث أحد صعاليكه فوق مرقبة عالية يرقب لهم الطريق، بينما يشتغل الباقون في تهيئة طعام الجماعة أو في غير ذلك من الأعمال.

وقد رأينا في تفسيرنا الجغرافي لظاهرة الصعلكة أن حركات عروة بن الورد وصعاليكه قد تركزت في شمالي الجزيرة العربية حول منطقة يثرب، وأنها كانت تمتد إلى منطقة نجد أحيانا، ومن هنا نشأت طائفة من الصلات الاقتصادية بينه وبين بني النضير الذين كانوا ينزلون في تلك المنطقة فكانوا "يقرضونه" إن احتاج ويبايعهم إذا غنم".

هكذا سلك عروة بن الورد سبيله في الحياة، يسلب الأغنياء أموالهم ليوزعها على الفقراء، وفقا لفلسفة معينة عبر عنها في شعره أصدق تعبير، حتى أصبح شعره نبراسا يهتدي به قومه، أو يأتمون به -على حد تعبير الحطيئة في حديثه مع عمر بن الخطاب.

وأساس فلسفة عروة أن "الغزو والإغارة للسلب والنهب" السبيل الوحيد للغنى لمن هو في مثل حالته:


ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا 


 من المال يطرح نفسه كل مطرح


وما صاحب الحاجات من كل وجهة


 من الناس إلا من أجد وشمرا

فلسفة عروة بن الورد



وليس وراء ذلك سوى إحدى نتائج ثلاث: نجاح الغزوة أو إخفاقها أو الموت في سبيلها، أما إن كانت الأولى فقد حقق أهدافه وجاء الغنى معها، وأما إن كانت الثانية فقد أبلغ نفسه عذرها، "ومبلغ نفس عذرها مثل منجح"، وأما إن كانت الثالثة فالموت خير من حياة الفقر والجوع والذل والهوان 


ذريني أطوف في البلاد لعلني


 أخليك أو أغنيك عن سوء محضر


فإن فاز سهم للمنية لم أكن 


 جزوعا وهل عن ذاك من متأخر


وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد 


 لكم خلف أدبار البيوت ومنظر


أقيموا بني لبني صدور ركابكم 


 فإن منايا القوم خير من الهزل


فقلت له ألا احي وأنت حر


 ستشبع في حياتك أو تموت


فسر في بلاد الله والتمس الغنى


 تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا


الحقد الطبقي عند عروة بن الورد


وهو يتمنى أن يصادف في أثناء انطلاقه هو وصعاليكه في البلاد غازين مغيرين بعض أولئك الأغنياء أصحاب الإبل الكثيرة الذين يحرصون على مالهم بالبخل والعقوق، عقوق أفراد مجتمعهم الفقراء، حتى يستردوا منهم بعض حقوقهم عليهم:



لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي 


 وشدي حيازيم المطية بالرحل


سيدفعني يوما إلى رب هجمة


 يدافع عنها بالعقوق وبالبخل


ويعلل عروة لمغامراته بكثرة أضيافه وقلة ماله، فماذا يفعل سوى أن يغامر في سبل الغنى حتى يهيئ لنفسه شيئا يقدمه لهم، فيحقق حسن ظنهم فيه، ويرضي نفسه الطموح إلى حسن الأحدوثة وطيب الذكر؟


يريح على الليل أضياف ماجد


 كريم، ومالي سارحا مال مقتر


ويتساءل: أيهلك أفراد من المجتمع لفقرهم وجوعهم في حين يعيش إخوان لهم مترفين متخمين، وهو قاعد لا يفعل شيئا، وهو الذي باع روحه للموت في مخاطراته ومغامراته؟


أيهلك معتم وزيد ولم أقم 


على ندب يوما ولى نفس مخطر


والغاية التي يريد أن يصل إليها -بطبيعة الحال- الغنى، ولكنه لا يريد الغنى من حيث هو غاية يقف عندها، وإنما يريده ليكون وسيلته للارتفاع بمنزلته الاجتماعية بين أفراد مجتمعه، من حيث إنه يهيئ له الفرصة التي يشارك فيها السادة الأغنياء في البذل والكرم واكتساب المحامد والمفاخر:


دعيني أطوف في البلاد لعلني


 أفيد غنى فيه لذي الحق محمل


أليس عظيما أن تلم ملمة 


 وليس علينا في الحقوق معول


فإن نحن لم نملك دفاعا بحادث


 تلم به الأيام فالموت أجمل


والفقير في رأيه شر الناس، وأحقرهم عندهم، وأهونهم عليهم مهما يكن له من فضل، يجافيه أهله، وتزدريه امرأته، حتى الصغير يستطيع أن يذله، أما الغني فمهما يفعل يقبل منه، ومهما يخطئ يغفر له، فللغني رب يغفر الذنوب جميعا:

خلاصة تجربة عروة بن الورد


ذريني للغنى أسعى، فإني


 رأيت الناس شرهم الفقير


وأدنأهم، وأهونهم عليهم 


 وإن أمسى له حسب وخير


يباعده القريب، وتزدريه


 حليلته، ويقهره الصغير


ويُلقى ذو الغنى، وله جلال 


 يكاد فؤاد لاقيه يطير


قليل ذنبه، والذنب جم 


 ولكن للغنى رب غفور



هكذا يسجل أبو الصعاليك  عروة بن الورد فلسفته في هذه المشكلة الاجتماعية الخطرة، مشكلة الفقر والغنى، في هذا الأسلوب الممتاز الذي يستمد امتيازه من عنصرين أساسيين هما السخرية والبساطة: السخرية من ذلك المجتمع العجيب الذي يحتقر الفقير لا لشيء إلا لأنه فقير، ويقدر الغني لا لشيء إلا لأنه غني، والذي لا يهتم بغير المظاهر المادية، أما جوهر النفس الكامن خلف هذه المظاهر فأمر وراء اهتمامه،

اسلوب عروة بن الورد


 ثم البساطة التي نلمسها في عرض الشاعر لمعانيه ذلك العرض السهل الذي لا يقبل معارضة، أو يثير جدلا، والذي ينفذ إلى النفس من أقرب السبل، ذلك العرض الذي يصح أن نطلق عليه عرضا شعبيا، حتى لنسمع أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يطلب إلى معلم أولاده ألا يرويهم هذه القصيدة، ويقول له: "إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم".

وأسوأ طوائف الصعاليك عند عروة بن الورد هم أولئك الصعاليك الذين يقضون حياتهم في خمول وهوان وتخاذل، وقعود عن طلب الغنى، وخدمة لنساء الحي المترفات:

وجهة نظرعروة بن الورد



لحا الله صعلوكا إذا جن ليله 


 مصافي المشاش آلفاكل مجزر


يعد الغنى من دهره كل ليلة


 أصاب قراها من صديق ميسر


ينام عشاء ثم يصبح طاويا


 يحت الحصى عن جنبه المتعفر


قليل التماس الزاد إلا لنفسه 


 إذا هو أمسى كالعريش المجور


يعين نساء الحي ما يستعنه 


 فيمسي طليحا كالبعير المحسر


أما أولئك الصعاليك العاملون الذين يقضون حياتهم في العمل والكفاح والمغامرة فإن عروة بن الورد معجب بهم إعجابا شديدا؛ لأنهم الذين آمنوا بمذهبه في الحياة، وسلكوا سبيله فيها، فهو لهذا يكيل لهم مدحه ويضفي عليهم ثناءه:



ولكن صعلوكا صحيفة وجهه


 كضوء شهاب القابس المتنور


مطلا على أعدائه يزجرونه


 بساحتهم زجر المنيح المشهر


فإن يعدوا لا يأمنون اقترابه


 تشوف أهل الغائب المتنظر


فذلك إن يلق المنية يلقها 


 حميدا وإن يستغن يوما فأجدر


رأي معاوية في عروة بن الورد


هكذا كان أبو الصعاليك ينادي بمذهبه في أرجاء المجتمع الجاهلي. وليس من شك في أن دعوة عروة بن الورد هذه قد لقيت إعجابا من هذا المجتمع ظلت أصداؤه مدوية حتى بعد ظهور الإسلام في البلاط الأموي نفسه، حتى لنسمع معاوية يقول "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم"، 

وحتى ليستأذن بعض الناس عليه ويقول لآذنه: استأذن لي على أمير المؤمنين وقل ابن مانع الضيم، فيقول معاوية: ويحك لا يكون هذا إلا ابن عروة بن الورد العبسي أو الحصين بن الحمام المري، وحتى ليقول عبد الملك: من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد.

وأخص ما يتميز به أسلوب عروة بن الورد في شعره أنه أسلوب شعبي، فهو سهل اللفظ بالقياس إلى شعر سائر الصعاليك، واضح المعنى، قريب التعبير، لا تكلف فيه ولا تصنع. وقد يكون هذا طبيعيا بعد أن قررنا أن عروة كان يقوم في حركة الصعلكة بالداعية المذهبي أو الزعيم الشعبي الذي يحرص على استمالة الجماهير إليه.

ولعل عروة بن الورد أكثر الشعراء الصعاليك استخداما لتلك المقدمات النسائية التي اصطلحنا على تسميتها مقدمات الفروسية في شعر الصعاليك. وهذا أيضا طبيعي فإن أخبار عروة مع نسائه السبايا تدل على احترام متغلغل في نفسه للمرأة، ورواة الأدب العربي يصفونه بأنه كان لا يمس النساء ذلك الدعاء الصادق الصادر من أعماق نفسه:


جزى الله خيرا عن خليع مطرد


 رجالا حموه آل عمرو بن خالد


وما له لا يدعو لهم وقد آووه، وعطفوا عليه، ونصروه بعزهم وشرفهم وبأبنائهم الأبطال الأمجاد:


وقد حدبت عمرو علي بعزها 


 وأبنائها من كل أروع ماجد


وهو لهذا يُعلن على الملأ أن هؤلاء القوم الذين لجأ إليهم، إنما هم الأصحاب والأهل والثروة والنصر:

أولئك إخواني وجل عشيرتي 


 وثروتهم والنصر غير المحارد


بل إن أبا الطمحان يعلن أنه قد نسي أهله في جوار من استجار بهم بعد خلعه، وأصبح كأنه واحد منهم حتى لقد عرفت كلابهم ثيابه فما تهر عليه:


وقد عرفت كلابهم ثيابي


 كأني منهم ونسيت أهلي

علاقة الخلعاء بقبائلهم


ولا ينسى الصعاليك الخلعاء خلع قبائلهم لهم حتى في آخر لحظات حياتهم، حين يمر بهم ماضيهم الحافل بالمغامرة والكفاح، فإذا قصة الخلع هي الحد الفاصل بين حياتين، والسر الأول في تلك الحياة القاسية التي عاشوها، والتي يودعونها في هذه اللحظات. هذا قيس بن الحدادية يقاتل أعداءه الذين تكاثروا عليه حتى قُتل وهو يرتجز ذاكرا أول ما يذكر قصة خلعه وبغض أهله له.


أنا الذي تخلعه مواليه 


 أوكلهم بعد الصفا قاليه


وكلهم يقسم لا يباليه


وإذا كان الصعاليك الخلعاء والشذاذ قد صوروا في شعرهم هذه العقد النفسية التي كان منشؤها انقطاع الصلة بينهم وبين قبائلهم، فإن الصعاليك الأغربة لم يتحدثوا في شعرهم عن ظاهرة اللون التي كانت عقدة العقد في حياتهم، التي كانت سببا في انعدام التوافق الاجتماعي بينهم وبين قبائلهم، وفيما عدا الشنفري




المصادر 



الكتاب: الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي

المؤلف: يوسف خليف

تعليقات