أزين نساء العالمين أجيبي-العباس بن الأحنف
قصيدة :أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي من أجمل ما يروونه عن العباس بن الأحنف أنه خرج مع الرشيد ذات مرة إلي خراسان.
وكان الرشيد قد وعده أنه لن يغيب عن أهله ببغداد لكن الغياب طال فاشتد به الشوق إلي أهله.
واحتال هو بأبيات تصل إلي سمع الرشيد لعله يأمر له بالعودة فقال هذه القصيدة :
قالو خراسان أقصي مايراد بنا
ثم القفول فقد جئنا خراسانا
قالو خراسان أقصي مايراد بنا
ثم القفول فقد جئنا خراسانا
متي يكون الذي أرجو وآمله
أما الذي كنت أخشاه فقد كانا
ما أقدر الله أن يدني علي شحط
جيران دجلة من جيران جيحانا
روايه أخري يرويها المسعودي في كتابة مروج الذهب عن جماعة من اهل البصرة .
قال خرجنا نريد الحج فلما كنا في بعض الطريق إذا غلام واقف علي المحجة وهو ينادي أيها الناس هل فيكم أحد من أهل البصرة؟ قال فعدلنا إليه وقلنا له ما تريد؟ قال : إن مولاي لما به يريد أن يوصيكم فملنا معه فإذا شخص ملقي علي بعد تحت شجرة لا يحير جوابا فجلسنا حوله فأحس بنا فرفع رأسه وهو لا يكاد يرفعه ضعفا وأنشأ يقول
يا غريب الدار عن وطنه
مفردا يبكي علي شجنه
كلما جد البكاء به
دبت بأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه طويلا فبينما نحن جلوس حوله إذ أقبل طائر فوقع علي الشجرة وجعل يغرد ففتح عينيه وجعل يسمع تغريد الطائر ثم أنشأ يقول :
ولقد زاد الفؤاد شجا
طائر يبكي علي فننه
شفه ماشفني فبكي
كلنا يبكي علي سكنه
قال ثم تنفس نفسا فاضت نفسه منه فلم نبرح من عنده حتي غسلناه وكفناه وتولينا الصلاة عليه فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنه قال هذا العباس ابن الأحنف .
وهذه القصيدة من أروع ماقال العباس بن الأحنف :
أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ
تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني
لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت
فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم
وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ
تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ
نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم
فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم
وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم
إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ
فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم
فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
وَأَبيَضَ سَبّاقٍ طَويلٍ نِجادُهُ
أَشَمَّ خَصيبِ الراحَتَينِ وَهوبِ
أَنافَ بِضَبعَيهِ إِلى فَرعِ هاشِمٍ
نَجيبٌ نَماهُ ماجِدٌ لِنَجيبِ
لَحاني فَلَمّا شامَ بَرقي وَأَمطَرَت
جُفوني بَكى لي موجَعاً لِكُروبي
فَقُلتُ أَعَبد اللَهُ أَسعَدتَ ذا هَوىً
يُحاوِلُ قَلباً مُبتَلاً بِنُكوبِ
سَأَسقيكَ نَدماني بِكَأسٍ مِزاجُها
أَفانينُ دَمعٍ مُسبَلٍ وَسَروبِ
أَلَم تَرَ أَنَّ الحُبَّ أَخلَقَ جِدَّتي
وَشَيَّبَ رَأسي قَبلَ حينِ مَشيبي
أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى
أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ
تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا
فَيوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ
كَأَن لَم تَكُن فَوزٌ لِأَهلِكَ جارَةً
بِأَكنافِ شَطٍّ أَو تَكُن بِنَسيبِ
أَقولُ وَداري بِالعِراقِ وَدارُها
حِجازيَّةٌ في حَرَّةٍ وَسُهوبِ
وَكُلُّ قَريبِ الدارِ لا بُدَ مَرَّةً
سَيُصبِحُ يَوماً وَهوَ غَيرُ قَريبِ
سَقى مَنزِلاً بَينَ العَقيقِ وَواقِمٍ
إِلى كُلِّ أُطمٍ بِالحِجازِ وَلوبِ
أَجَشُّ هَزيمُ الرَعدِ دانٍ رَبابُهُ
يَجودُ بِسُقيا شَمأَلٍ وَجَنوبِ
أَزوّارَ بَيت اللَهَ مُرّوا بِيَثرِبٍ
لِحاجَةِ مَتبولِ الفُؤادِ كَئيبِ
إِذا ما أَتَيتُم يَثرِباً فَاِبدَؤوا بِها
بِلَطمِ خُدودٍ أَو بِشَقِّ جُيوبِ
وَقولوا لَهُم يا أَهلَ يَثرِبَ أَسعِدوا
عَلى جَلَبٍ لِلحادِثاتِ جَليبِ
فَإِنّا تَرَكنا بِالعِراقِ أَخا هَوىً
تَنَشَّبَ رَهناً في حِبالِ شَعوبِ
بِهِ سَقَمٌ أَعيا المُداوينَ عِلمُهُ
سِوى ظَنَّهُم مِن مُخطِئٍ وَمُصيبِ
إِذا ما عَصَرنا الماءَ فيهِ مَجَّهُ
وَإِن نَحنُ نادَينا فَغَيرُ مُجيبِ
تَأَنَّوا فَبَكّوني صُراحاً بِنِسبَتي
لِيَعلَمَ ما تَعنونَ كُلُّ غَريبِ
فَإِنَّكُمُ إِن تَفعَلوا ذاكَ تَأتِكُم
أَمينَةُ خَودٍ كَالمَهاةِ لَعوبِ
عَزيزٌ عَلَيها ما وَعَت غَيرَ أَنَّها
نَأَت وَبَناتُ الدَهرِ ذاتُ خُطوبِ
فَقولوا لَها قولي لِفَوزٍ تَعَطَّفي
عَلى جَسَدٍ لا رَوحَ فيهِ سَليبِ
خُذوا لِيَ مِنها جُرعَةً في زُجاجَةٍ
أَلا إِنَّها لَو تَعلَمونَ طَبيبي
وَسيروا فَإِن أَدرَكتُمُ بي حُشاشَةً
لَها في نَواحي الصدرِ وَجسُ دَبيبِ
فَرُشّوا عَلى وَجهي أُفِق مِن بَليَّتي
يُثيبُكُمُ ذو العَرشِ خَيرُ مُثيبِ
فَإِن قالَ أَهلي ما الَّذي جِئتُمُ بِهِ
وَقَد يُحسِنُ التَعليلَ كُلُّ أَريبِ
فَقولوا لَهُم جِئناهُ مِن ماءِ زَمزَمٍ
لِنَشفيهِ مِن داءٍ بِهِ بِذَنوبِ
وَإِن أَنتُمُ جِئتُم وَقَد حيلَ بَينَكُم
وَبَيني بِيَومٍ لِلمَنونِ عَصيبِ
وَصِرتُ مِنَ الدُنيا إِلى قَعرِ حُفرَةٍ
حَليفَ صَفيحٍ مُطبَقٍ وَكَثيبِ
فَرُشّوا عَلى قَبري مِنَ الماءِ وَاِندُبوا
قَتيلَ كَعابٍ لا قَتيلَ حُروبِ