تذكرة سفر لامرأةٍ أحبها-نزار قباني


تذكرة سفر لامرأةٍ أحبها - نزار قباني



أرجوك يا سيدتي  أن تتركي لبنان

أرجوك باسم الخبزِ  باسم الملحِ 

أن تغادري لبنان

فالبحر لا لون لهُ 

والشكل لاشكل لهُ 

والموج 

 حتى الموج 

 لا يكلم الشطآن


أرجوك يا سيدتي .. أن تتركي لبنان  أرجوك باسم الخبزِ .. باسم الملحِ ..  أن تغادري لبنان  فالبحر لا لون لهُ ..  والشكل لاشكل لهُ ..  والموج    حتى الموج    لا يكلم الشطآن



أرجوك يا سيدتي أن ترحلي 

حتى أرى لبنان 

أرجوك يا سيدتي أن تختفي

بأي شكلٍ كان 

بأي سعرٍ كان 

أن ترجعي البحر إلى حدودهِ

وترجعي الشمس إلى مكانها

وترجعي الجبال والوديان

أرجوك يا سيدتي 

أن تُرجعي براءتي 

والزمن المكسور  فوق ساعتي 

وترحلي عني  وعن لبنان 

بأي شكلٍ كان 

بأي سعرٍ كان 

أرجوك يا سيدتي

أن تدركي بأنني إنسان

وتسحبي السيف الذي زرعتهِ في فوهةِ الشريان

أرجوك باسم الزعتر البري

والشربين  والريحان

والثلج ، والضباب ، والرعاة ، والقطعان

وباسم عامينِ  هما 

خُلاصة الزمان

باسم  جعيتا  واليدانِ فوقها يدان

ونحن مبحران في عُرسٍ من الألوان

وباسم نادي الصيد في جبيل 

والنبيذِ  والُدخان

وبيتنا المهجور في طبرجةٍ

وشعركِ المنثور فوق الأرض والحيطان

وباسم ثوبٍ أحمرٍ

كنتِ به رائعةً كزهرةِ الرُمان

أرجوكِ يا سيدتي

باسم جميع الكتب المقدسه

والشمعِ والبخورِ  والصلبان

أرجوك بالأحزان يا سيدتي

إن كنتِ تعرفين ما الأحزان

أرجوك بالأوثان يا سيدتي

إن كنتِ تؤمنين في عبادةِ الأوثان

أرجوك  باسم الأنس

أرجوك  باسم الجان 

أن تتركي لبنان 

أرجوك  ياسيدتي أن تأخذي 

كل هداياكِ التي تُحرك الشجون 

كل المناديل التي تحمل حرف  النون 

أزرار قمصاني التي تحمل حرف  النون

فكلها أفيون 

يا أنتِ  يا أخطر ما عرفتُ من أفيون

أرجوك أن تسترجعي

مصابيحكِ القريب من وسادتي

وكلبك الأبيض من سيارتي

فإنها قد أصبحت نوعاً من الإدمان

يا امرأةً  قد جعلتني أُدمن الإدمان

رفيقتي  على دروب  اليرزةِ  الخضراء

رفيقتي  بالصندل الصيفي ، والقبعة البيضاء

رفيقتي  أمام باب مريم العذراء

رفيقتي بالحزن والبكاء

أرجوك يا سيدتي  أن تُرجعي

علاقتي الأولى مع الأشياء

أن تُرجعي الأشجار مستقيمةً 

والأرض مستديرةً 

والقمح .. والنجوم 

والسنابل الصفراء 

أرجوك يا سيدتي 

أن تُرجعي  إلى البحار الماء

والرب للسماء 

أرجوك يا سيدتي

أن تحزمي حقائب النسيان

فإن حجم دمعتي 

أكبرُ من مساحة الأجفان

أرجوك يا سيدتي

أن تتركي بيروت في عناية الرحمن

وتتركي لي الحزن

فهو صاحبي الوحيد من زمان

لبنانُ 

كان أنتِ  يا حبيبتي

ويوم ترحلين عن صدري 

فلا لبنان 




تعليقات