النحو العربي:تعريف النحو- نشأة النحو

 النحو العربي:تعريف النحو- نشأة النحو

تعريف النحو في اللغة

النحو في اللغة مصدر الفعل نحا يقال: نحا ينحو نحواً، فهو: ناحٍ.والمفعول : منحو ،والجمع : أنحاء ونحو ، وتثبت المعاجم لكلمة نحو :  معانٍ متعددة منها:

- القصد والوجهة والطريق : يقال : نحوت نحو فلان أي قصدت قصده ، ومنه يروى أَن أَبا الأَسود الدؤلي وضع وجوه العربية وقال للناس انحوا نحوه فسمي نحواً .

- المِثْل والمقدار والنوع : كأن يقول لك تاجر : هذا يساوي مائة جنيه أونحو ذلك . أي مثله ومقداره .

- التحريف : يقال : نحا فلان الشيءَ . أي حرفه، ومنه سمي النحوِي لأَنه يحرف الكلام إِلى وجوه الإِعراب .

- الإبعاد والإزالة:يقال: نحا عن فلان الظلم.أي أبعده وصرفه وأزاله.


النحو في الاصطلاح فيعرفه القدماء بأنه علم مستنبط بالقياس والاستقراء من القرآن الكريم والكلام الفصيح بغرض معرفة صواب الكلام من خطائه


تعريف النحو في الاصطلاح

أما النحو في الاصطلاح فيعرفه القدماء بأنه علم مستنبط بالقياس والاستقراء من القرآن الكريم والكلام الفصيح بغرض معرفة صواب الكلام من خطائه ، فبالنحو يتحرى الإنسان في كلامه طريقة العرب في الإعراب والبناء 

أما النحو عند المحدثين فهو علم يدرس وظائف الكلمات والعلاقات بينها داخل واقعها اللغوي المتمثل في الجمل بغرض معرفة أحوال إعراب نهايات الكلمات وبنائها.

وبهذا المفهوم يرى بعض المحدثين أن النحو يعالج موضوعين مهمين يكملان بعضهما ولا يمكن فصلهما ، يتمثل الموضوع الأول في الجملة من حيث تأليفها ونظامها وطبيعتها وأركانها وظائفها وما يعتريها من تقديم وتأخير وإظهار وإضمار .
 أما الموضوع الثاني فيتمثل في المعاني التي  تؤديها بعض الأدوات ، كالتوكيد والنفي والاستفهام .. الخ

أسباب تدوين النحو وتقعيده

العرب منذ القدم وهم أهل فصاحة وبيان فكانت اللغة عندهم ليست وسيلة تواصل وتعبير فحسب بل كانت أسلوباً للحياة وأداة للتفكير ، فكانوا يقيمون أسواقًا يتبارى فيها الشعراء والخطباء وأهل السير والأنساب بما عندهم من سائر فنون الأدب والشعر ، وإذا استحسنوا شيئًا يحفظوه ويرووه ويعلقون أجوده بأستار الكعبة .


وهكذا وصلت لغة العرب قبل ظهور الإسلام من الفصاحة وقوة البيان مبلغاً أدركت معه اللغة النضوج ووصلت إلى حد الكمال وحينئذٍ جاء الإسلام بقرآن عربي مبين ليتحدى العرب وهم أهل الفصاحة البلاغة والبيان فيقول الله تعالى :(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)

ثم تحداهم بعد أن عجزوا عن الإتيان بمثله بأن يأتوا بعشر سور من مثله فيقول جلَّ علاه :) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
٢) ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله فيقول:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) والتحدي قائم للعرب وغيرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .


ومع كل هذا الاهتمام الذي حظيت به العربية قبل ظهور الإسلام غير أن كتابتها لم تكن مألوفة فالعرب كانوا يتشافهون فلم يكونوا أهل كتابة نظراً لظروف حياتهم التي تتسم بالتنقل والترحال والحروب وغيرها ؛ لذلك اقتصرت الكتابة عندهم على العقود والمواثيق وبعض الرسائل والأشعار .


وجاء الإسلام فأنكر على العرب ما كانوا فيه من أمية ويصفهم جلَّ علاه فيقول المولى :(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)


وأصبحت الكتابة في الإسلام ذات شأن عظيم ومكانة رفيعة،فحثت عليها أوائل آيات نزلن في القرآن الكريم فيقول تعالى :(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ويقول تعالى :(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ)


ومما يؤكد حرص الإسلام على العلم والمعرفة ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما جعل فداء الأسرى في غزوة بدر ممن لا يقدرون على دفع الفدية مقابل تعليم كل أسير منهم عشرة من أولاد الأنصار القراءة والكتابة.

وباتساع رقعة الدولة الإسلامية واختلاط العرب بغيرهم من الفرس والروم والنبط ودخولهم الإسلام كثر اللحن وشاع على ألسنة الناس . سواء كانوا عرباً أم عجماً وهناك قصص كثيرة في هذا الشأن منها ما ُ ذكر عن الحجاج ابن يوسف - وهو المشهور بفصاحته - عندما سأل يحيى بن يعمر عما إذا كان يلحن ، فقال له يحيى: الأمير أفصح من ذاك ، فقال له الحجاج : عزمت عليك لتخبرني ، قال يحيى : نعم في كتاب الله.. قرأت ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)فترفع أحب وهو منصوب ، فقال له الحجاج : إذن لا تسمعني ألحن بعدها ، فنفاه إلى خرسان.


وذكر نصر بن علي أنَّ سيبويه واسمه عمرو بن عثمان بن ُقنبر ويكنى بأبي بشر مولى بني الحارث بن كعب كان يستملى على حماد حديث الرسول صلي الله عليه وسلم : (ما من أحد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ، ليس أبا الدرداء ) فقال سيبويه : (ليس أبو الدرداء) ،فقال له حماد : لحنت ياسيبويه ! فقال سيبويه : لا جرم لأطلبن علما لاتلَحنني فيه أبدا فطلب النحو ، ولزم الخليل بن أحمد الفراهيدي .

وهكذا بات اللحن ظاهرة تشغل الجميع وتؤرقهم انطلاقًا من خوفهم على كتاب الله ، وحرصهم الشديد على فصاحة اللسان العربي وسلامته .

ومن الآراء التي ُ ذكرت حول نشأة النحو العربي أن اللحن كان أحد الأسباب وليس كل الأسباب لنشأته ، فكان هناك سبب تعليمي آخر يتمثل في تعليم الأعاجم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم وفهمه وتفسيره ، يقول الدكتور عفيف دمشقية : "فما الذي يمكن الاطمئنان إليه من أسباب وضع النحو ؟ اعتقادنا أن إقبال الأعاجم على تعلم العربية وقراءة كتاب الله الكريم أوجه الأسباب جميعا.
ويرى الدكتور محمد خليل نصر الله أنه لا يمكن إرجاع نشأة النحو العربي لباعث واحد وإنما بواعث متعددة ، اجتمعت وتضافرت معا ؛ لتنتج لنا هذا العلم ؛ أبرزها :
أهم أسباب نشأة علم النحو

• ظهور اللحن وشيوعه على ألسنة الناس .

• الخوف على كتاب الله تعالى ومحاولة فهمه .

• إقبال الأعاجم على تعلم العربية والقرآن .

• اعتزاز العرب بلغتهم ، وحرصهم عليها .

• رقي العقل العربي ونضجه .


وإذا أمعنا النظر في هذا الأمر نجد أن النحو كعلم لا يمكن اختزال أسباب نشأته في الأسباب السالف ذكرها فحسب ، فالوقت الذي ُقعد فيه لعلم النحو ُقعد فيه لعلوم أخرى ، وهذا يعني أن هذا العصر يعد البداية الحقيقية للحضارة الإسلامية التي أشرقت للدنيا بتدوين العلوم وتقعيدها ، والنحو العربي كان أحد أهم هذه العلوم وأبرزها على الإطلاق .

يظن بعض من الناس أن واضع علم النحو هو الذي أنشأه وأوجده من عدم ، وهذا ليس دقيقًا ، فالنحو موجود منذ وجود اللغة ولكنه كان غير مدون ، فلا يوجد لغة دون نحوها ، فاللغة ما هي إلا أصوات أوكلمات محددة توضع في قواعد لغوية معينة ليعبر بها كل قوم عن أغراضهم .

وهكذا يكون المقصود بواضع النحو هنا راسمه الذي قدمه مفصلاً بعد استقراء كلام العرب واستنباط خصائصه التركيبية وتقعيدها .





تعليقات